كتاب الجامع في أحكام صفة الصلاة - الدبيان (اسم الجزء: 3)

مقيدًا بالسنة القولية بمراعاة أحوال المأمومين، وذلك يختلف باختلاف المصلين حضرًا وسفرًا، وشتاءً وصيفًا، والتزامًا وضعفًا، ورغبة في الإطالة وعكسها، وإذا رغب بعض الجماعة بالتخفيف لم يلزموا بالسنن؛ فالسنن لا تجري مجرى الإلزام.
وقوله: (اقتد بأضعفهم) ظاهَرُهُ بأضْعَفِهِم بِنْيَةً، وإطلاقه يدخل فيه أضعفهم إيمانًا، تأليفًا له على حب الجماعة، وإقامة الصلاة مع المسلمين، فمراعاة الواجبات أولى من مراعاة السنن، ولا يبصر هذا إلا من رزق فقهًا وبصيرة، وتحمل مسؤولية سياسة الناس، وإحاطتهم بالنصح، والخوف عليهم، ومراعاة اختلافهم وتفاوتهم، وعدم تحميلهم من السنن ما يشق عليهم، والتدرج بهم، فيقرأ بهم من أواسط المفصل ويترقى بهم إلى بعض قصار طوال المفصل بين الحين والآخر بلا تنفير له، ولا يُكَرِّه عبادة الله لعباده.
الدليل السابع:
مراعاة الجماعة وردت فيه أحاديث كثيرة، من ذلك:
(ح-١٥٢٩) ما رواه البخاري ومسلم من طريق غندر (محمد بن جعفر) حدثنا شعبة، عن سعد بن إبراهيم، عن محمد بن عمرو بن الحسن بن علي، قال:
قدم الحجاج فسألنا جابر بن عبد الله، فقال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي الظهر بالهاجرة، .... والعشاء أحيانًا وأحيانًا، إذا رآهم اجتمعوا عجل، وإذا رآهم أبطؤوا أخر ... الحديث (¬١).
(ح-١٥٣٠) ومنها ما رواه البخاري، قال: حدثنا آدم بن أبي إياس، قال: حدثنا شعبة، قال حدثنا مهاجر أبو الحسن مولى لبني تيم الله، قال: سمعت زيد بن وهب،
عن أبي ذَرٍّ الغفاري، قال: كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في سفر، فأراد المؤذن أن يؤذن للظهر، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: أبرد، ثم أراد أن يؤذن، فقال له: أبرد، حتى رأينا فيء التلول، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: إن شدة الحر من فيح جهنم، فإذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة (¬٢).
فكان عليه الصلاة والسلام يدع الوقت الفاضل من تأخير العشاء إذا اجتمع
---------------
(¬١). صحيح البخاري (٥٦٠)، وصحيح مسلم (٦٤٦).
(¬٢). صحيح البخاري (٥٣٩).

الصفحة 156