كتاب الجامع في أحكام صفة الصلاة - الدبيان (اسم الجزء: 3)

أو يخالفه صحابي آخر، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (اقتدِ بأضعفهم)، فالنبي - صلى الله عليه وسلم - أعلم بجماعته من غيرهم، فكانت قراءته بالصافات؛ لأن من معه كانوا راغبين في الإطالة، فكانت قراءته - صلى الله عليه وسلم - تخفيفًا في حقهم، فالتخفيف في كل قوم بحسب حالهم، وعليه يحمل قراءة أبي بكر وعمر بالبقرة كلها في صلاة الصبح مع علمهم بإنكار النبي - صلى الله عليه وسلم - على معاذ التطويل، وأن هذا المقدار لم يحفظ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قرأ بمثله في صلواته.
الدليل الثاني:
(ح-١٥٣٥) ما رواه مسلم من طريق يحيى بن آدم، حدثنا زهير، عن سماك قال:
سألت جابر بن سمرة، عن صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: كان يخفف الصلاة ولا يصلي صلاة هؤلاء. قال: وأنبأني: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ في الفجر بـ {ق وَالْقُرْآنِ} ونحوها.
فكان التخفيف أمرًا نسبيًّا، فما كان يستطال في هذا العصر هو من التخفيف في عصر الصحابة رضوان الله عليهم، والمحكم في ذلك سنته - صلى الله عليه وسلم -، وما كان يقرؤه.
* وأجيب:
قال سعيد حوى: «الذي عليه الفقهاء أن الإمام يراعي حال المأمومين، واستعدادهم، وهذا يختلف باختلاف الأمكنة، والأزمنة، والبيئات، وأحوال الناس، فالعامل في أثناء العمل، والمسافر في أثناء السفر، والمبتدؤون بالصلاة، والمشغولون بحادث يطرأ، والمعتادون على الصلاة القصيرة، كل من هؤلاء يراعى حاله، وحكمة الإمام في هذه الأمور هي التي تقدر، ولقد رأيت أئمة يطيلون قليلًا عما ألفه الناس -وهو قليل- فيؤدي ذلك إلى فتنة، أو قطع الصلاة، وحتى إلى كلمة كفر، فلا بد للإمام أن يراعي هذا، وإذا اقتصر في بعض المواطن على الفاتحة، وآيات قصار معدودة فلا بأس» (¬١).
ولقد أعطى النبي - صلى الله عليه وسلم - الإمام حق تقدير الموقف، بقوله: (اقتدِ بأضعفهم) وتخفيف النبي - صلى الله عليه وسلم - صلاته لسماع بكاء الصبي، كل ذلك يدل على أن هذا يختلف من جماعة إلى أخرى، وأن العوارض الطارئة تقدر بقدرها كالسهر، والسفر،
---------------
(¬١). الأساس في التفسير (٨/ ٤٦٨١).

الصفحة 168