كتاب الجامع في أحكام صفة الصلاة - الدبيان (اسم الجزء: 3)

وجماعات الأسواق والطرق، وأيام الاختبارات، والعشر الأواخر من رمضان، ونحوها، والله أعلم.
* دليل من قال: يجب على الإمام التخفيف مطلقًا:
(ح-١٥٣٦) استدلوا بما رواه البخاري من طريق مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج،
عن أبي هريرة، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: إذا صلى أحدُكم للناس فليُخفِّفْ؛ فإنَّ فيهم الضعيفَ والسقيمَ والكبيرَ، وإذا صلى لنفسه فليُطوِّلْ ما شاء، ورواه مسلم (¬١).
وجه الاستدلال:
قوله: (فليخفف) أمر، والأصل في الأمر الوجوب.
قال ابن عبد البر: «في هذا الحديث أوضح الدلائل على أن أئمة الجماعة يلزمهم التخفيف؛ لأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إياهم بذلك، ولا يجوز لهم التطويل؛ لأن في الأمر لهم بالتخفيف نهيًا عن التطويل، وقد بان في هذا الحديث العلة الموجبة للتخفيف، وهي عندي غير مأمونة على أحد من أئمة الجماعة؛ لأنه، وإن علم قوة من خلفه، فإنه لا يدري ما يحدث لهم من آفات بني آدم، ولذلك قال: فإذا صلى أحدكم لنفسه فليطول ما شاء؛ لأنه يعلم من نفسه ما لا يعلم من غيره» (¬٢).
وذكر اليعمري نقلًا من شرح الزرقاني على الموطأ: «أن الأحكام إنما تناط بالغالب، لا بالصورة النادرة، والغالب أن الإطالة تشق على بعض المأمومين فينبغي للأئمة التخفيف مطلقًا، قال: وهذا كما شرع القصر في السفر، وعلل بالمشقة، وهي مع ذلك تشرع مطلقًا عملًا بالغالب؛ لأنه لا يدري ما يطرأ عليه، وهنا كذلك، (وإذا صلى أحدكم لنفسه فليطول ما شاء) ولمسلم: فَلْيُصَلِّ كيف شاء: أي مخففًا، أو مطولًا» (¬٣).
وعلة القصر للمسافر السفر، وأما المشقة فهي حكمة التشريع، لا علته، والتعليل بالحكمة فيه خلاف بين أهل الأصول ليس هذا محل بحثها.
---------------
(¬١). صحيح البخاري (٧٠٣)، وصحيح مسلم (١٨٥ - ٤٦٧).
(¬٢). الاستذكار (٢/ ١٦٣)، وكان قد ذكر مثل ذلك ابن بطال في شرح البخاري (٢/ ٣٣٣).
(¬٣). انظر: شرح الزرقاني على الموطأ (١/ ٤٧٨).

الصفحة 169