كتاب الجامع في أحكام صفة الصلاة - الدبيان (اسم الجزء: 3)

* ونوقش:
قال القسطلاني: «وتعقب بأن الاحتمال الذي لم يقم عليه دليل، لا يترتب عليه حكم، فإذا انحصر المأمومون ورضوا بالتطويل، لا يؤمر إمامهم بالتخفيف لعارض لا دليل عليه» (¬١).
* الراجح:
ما ذهب إليه الجمهور، وأن الإمام محكم في تقدير ما تطيقه الجماعة، وما لا يطيقون، ولا ينبغي إلزامهم بالإطالة إذا كان بعضهم لا يرغب، سواء أعلم هذا منهم صريحًا، أم ظنه منهم، ومصلحة اجتماع الناس على الصلاة أهم من مراعاة إطالة القراءة، ومراعاة الواجبات أولى من مراعاة السنن، وإذا اختلفت الجماعة الواحدة فعليه أن يقرأ بمقدار أواسط المفصل، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما قال لمعاذ: اقرأ بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ} {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} ونحوها، لا أفهم منه تخصيص ذلك في صلاة العشاء، وإن كانت صلاة العشاء تدخل دخولًا أوليًّا؛ لأن معاذًا يصلي بهم الصلوات كلها، وضرب له النبي - صلى الله عليه وسلم - مقدارًا لِمَا يقرؤه في صلاته، فكان تخصيص هذا في صلاة معينة يحتاج إلى دليل، والإمام ينبغي له أن يكون مُلِمًّا بأحوال جماعته، فإذا كانت جماعته من المقتصدين، أو ممن دونهم لم يحملهم على حال المسارعين في الخيرات، كحال صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، خاصة فيما هو من باب السنن، فإذا رأى الإمام في جماعته من هو بحاجة إلى التأليف وكان تخفيف القراءة داعيًا لهم إلى المحافظة على صلاة الجماعة لم ينفرهم، ويتدرج بهم شيئًا فشيئًا حتى يألفوا القراءة الطويلة، وطوال المفصل فيه الطويل، وفيه الأطول، وفيه قصار الطوال على القول بأن القراءة من طوال المفصل سنة، وإذا طبق السنة بين الحين والآخر احتمل له ذلك الجماعة، ولم يكن هاجرًا للسنة، ولو أراد الشارع أن نلتزم السنة في جميع الأحوال لم يجعل حكمها سنة، والله أعلم.

* * *
---------------
(¬١). شرح القسطلاني (٢/ ٥٨).

الصفحة 170