كتاب الجامع في أحكام صفة الصلاة - الدبيان (اسم الجزء: 3)

وأما دعواه أن الناس تركوا العمل به فباطلة؛ لأن أكثر أهل العلم من الصحابة والتابعين قد قالوا به، كما نقله ابن المنذر وغيره، حتى إنه ثابت عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف والد سعد، وهو من كبار التابعين من أهل المدينة: (أنه أم الناس بالمدينة بهما في الفجر يوم الجمعة). أخرجه ابن أبي شيبة بإسناد صحيح، وكلام ابن العربي يشعر بأن ترك ذلك أمر طرأ على أهل المدينة؛ لأنه قال: وهو لم يعلم بالمدينة، فالله أعلم بمن قطعه كما قطع غيره. اهـ وأما امتناع مالك من الرواية عن سعد، فليس لأجل هذا الحديث، بل لكونه طعن في نسب مالك، كذا حكاه ابن البرقي، عن يحيى بن معين، وحكى أبو حاتم، عن علي بن المديني قال: كان سعد ابن إبراهيم لا يحدث بالمدينة، فلذلك لم يكتب عنه أهلها، وقال الساجي: أجمع أهل المدينة على صدقه، وقد روى مالك، عن عبد الله بن إدريس، عن شعبة، عنه، فصح أنه حجة باتفاقهم، قال: ومالك إنما لم يرو عنه لمعنى معروف، فأما أن يكون تكلم فيه فلا أحفظ ذلك» (¬١).
* الراجح:
أن القراءة بهاتين السورتين في فجر يوم الجمعة مستحب في أغلب الأوقات بشرطه، وذلك أن تكون الجماعة محصورة وترغب في ذلك، فإن كان في جماعته من يدعوه للتخفيف من مريض وذي حاجة، أو صادف ذلك أوقات عمل أو مناسبات دعت الناس للسهر، أو كان في الجماعة من لا يرغب في إطالة القراءة فلا ينبغي أن يشق على جماعته، فإن التخفيف سنة أيضًا، وإذا ترك قراءتهما لعذر فقد كتب له الأجر، كما جاء في الحديث: إذا مرض العبد أو سافر كتب له ما كان يعمل صحيحًا مقيمًا، وإذا كان بعض الجماعة يشق عليهم الإطالة كانت مراعاتهم أولى من تطبيق هذه السنة، فإن إلزام الناس بالسنن إلزام بما لم يلزمهم الله به، وحين سأل صحابي رسول - صلى الله عليه وسلم - عن الصلوات الواجبة، فذكر له الصلوات الخمس،
---------------
(¬١). فتح الباري (٢/ ٣٧٨).

الصفحة 182