كتاب الجامع في أحكام صفة الصلاة - الدبيان (اسم الجزء: 3)

فقال: هل عليَّ غيرها؟ قال: لا، إلا أن تَطَّوَّع.
قال الصحابي: والله لا أزيد على هذا ولا أنقص، لم يثرب عليه، وأقرَّه، بل بشره بالفلاح إن صدق، فترك الإطالة لا يضر الصلاة، ومراعاة واجبات الصلاة أولى من مراعاة السنن، وجمع الناس على صلاة الجماعة، وتأليفهم عليها، من أعظم القرب، قد وصف الرسول - صلى الله عليه وسلم - عمل معاذ بأنه من الفتنة، والتنفير، وليس هذا خاصًّا في صلاة العشاء، ولا في إمام قرأ سورة البقرة، بل يعم ذلك كل إمام فتن الناس عن حضور الجماعة في تحري ما يشق عليهم في أمر لم يوجبه الله عليهم، وحمل الناس على عمل الصدر الأول في السنن إذا لم يرغب الناس في ذلك ليس من الحكمة، وقد ذكرت أدلة ذلك في المسألة السابقة، وقد نص المالكية والشافعية والإمام أحمد بأن إطالة القراءة في صلاة الصبح مقيد برغبة جماعة محصورة، ولا أظن الحنفية يخالفونهم في ذلك، ولا تلتفت لمن لا يقيم وزنًا لمراعاة جماعته باسم الحرص على السنن، فإن مثل هذا الشخص ليس مؤهلًا لرعاية الناس، فليس كل أحد قادرًا على أن يسوس الناس ويحوطهم برعايته وشفقته، ويقدم الأهم على المهم، ولو اتسعت حدقة عينه لنظر إلى باقي النصوص، وفي مقدمتها قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (اقتد بأضعفهم)، ولَعَلِم أن مراعاتهم من السنة أيضًا، ومن ترك السنة لسنة أخرى فلم يتركها، وأكثر من يتشدد في ذلك هم الشباب الذين لم ينضجوا بعد، ولم يخالطوا الناس فيتعلموا كيف يعالجون تفاوتهم، وكيف يرتب أولوياته، والله أعلم.

* * *

الصفحة 183