كتاب الجامع في أحكام صفة الصلاة - الدبيان (اسم الجزء: 3)

تدخل بالتقدير، والأول هو الظاهر من الحديث، لكن لا يمكن الجزم به، والله أعلم.
* دليل من قال: يسن فعلها أحيانًا:
هذا القول استند إلى الجمع بين حديث أبي قتادة، وحديث أبي سعيد الخدري،
فحديث أبي قتادة يدل على أن هذا كان أكثر فعله عليه الصلاة والسلام، وربما قرأ في الركعتين الأخريين بشيء فوق الفاتحة كما دل عليه حديث أبي سعيد.
ذكر هذا ابن القيم في الهدي، وقال: «وهذا كما أن هديه - صلى الله عليه وسلم - كان تطويل القراءة في الفجر، وكان يخففها أحيانًا، وتخفيف القراءة في المغرب، وكان يطيلها أحيانًا، وترك القنوت في الفجر، وكان يقنت فيها أحيانًا، والإسرار في الظهر والعصر بالقراءة، وكان يسمع الصحابة الآية فيها أحيانًا، وترك الجهر بالبسملة، وكان يجهر بها أحيانًا» (¬١).
وقال صاحب فيض الباري: «ثبتت القراءة بالسورة أيضًا، فلا مناص إلا بالقول بالجواز، وهو قول فخر الإسلام منا، وهو الأصوب عندي، ولعل الأكثر من فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - تركها، وهو السنة» (¬٢).
وبهذا الجمع نكون قد أعملنا كلا الدليلين، وبه نفهم ما ينقل عن بعض الصحابة من القراءة أحيانًا في بعض الصلوات، وتكون القراءة وتركها من العبادات المتنوعة التي جاءت على أكثر من وجه، فإذا وجد الإنسان نشاطًا على العبادة وأراد أن يقرأ في الثالثة والرابعة ساوى في القراءة بين الركعتين الأوليين وكأنهما ركعة واحدة، وقرأ في الثالثة والرابعة على النصف من قراءته في الأولى والثانية، وأن يكون هذا أحيانًا، وأن يكون غالب فعله ترك القراءة، وأن يكون التفاوت بين الركعة الأولى والثانية فقط، كما دل عليه حديث أبي قتادة، والله أعلم.
* الراجح:
أن القراءة في الثالثة والرابعة يفعله أحيانًا، وإن كان الأكثر من الفعل الاقتصار على قراءة الفاتحة، والله أعلم.

* * *
---------------
(¬١). زاد المعاد (١/ ٢٤٠).
(¬٢). فيض الباري (٢/ ٥٧٣).

الصفحة 36