كتاب الجامع في أحكام صفة الصلاة - الدبيان (اسم الجزء: 3)

وحديث أبي سعيد وظاهره يقضي تسوية الركعة الثانية على الأولى عن طريق التخمين والحرز، وهو ليس دقيقًا، فلا ينافي التفاوت اليسير مما لا يدخل تحت التخمين، فإما أن نرجح وإما أن نجمع.
فإن سلكنا مسلك الترجيح فسوف يكون ذلك لصالح حديث أبي قتادة، لوجوه منها:
الأول: أن الحديث في الصحيحين، وحديث أبي سعيد في مسلم.
الثاني: أن حديث أبي قتادة صريح، فهو نص في إطالة الأولى على الثانية، وحديث أبي سعيد ظاهره التسوية، ولا يمنع التفاوت اليسير، لأن الحزر تقريب، والتفضيل يصدق بأدنى زيادة ولو كان بمقدار آية واحدة، والنص مقدم على الظاهر، والصريح مقدم على المحتمل.
الثالث: أن حديث أبي قتادة تضمن زيادة على ما يدل عليه حديث أبي سعيد، فتترجح الزيادة.
الرابع: أن أكثر الأحاديث التي ورد فيها التنصيص على السور تدل على تفضيل الأولى على الثانية، كقراءة السجدة مع الإنسان في فجر الجمعة، وقراءة سورة ق مع القمر، وقراءة الكافرون مع الإخلاص في ركعتي الفجر، فإذا كان حديث أبي قتادة يتفق مع دلالتها كان أولى بالتقديم مما يخالفها، ويحمل حديث أبي سعيد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - فعل هذا لبيان الجواز.
الخامس: أن إطالة الركعة الأولى على الثانية له معانٍ ترجحه، من ذلك أن المصلين يكونون أكثر نشاطًا، ومن أجل أن يدرك الصلاة من لم يأت بعد.
وإن سلكنا مسلك الجمع:
فيقال: حديث أبي سعيد حديث صحيح، ولا يلزم من كون حديث أبي قتادة أصح منه أن يطرح حديث أبي سعيد، إلا لوكان الحديثان متعارضين، ولا سبيل إلى الجمع بينهما، فإذا أمكن الجمع بين الدليلين لزم ذلك؛ لأن سلوك الترجيح يؤدي إلى طرح أحد الدليلين مع ثبوت صحته، والجمع إعمال لهما جميعًا، فتعين، فيقال: حديث أبي قتادة يدل على غالب فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - وحديث أبي سعيد يدل على أنه ربما سوَّى بين الركعتين أحيانًا.

الصفحة 54