كتاب الجامع في أحكام صفة الصلاة - الدبيان (اسم الجزء: 3)

فهذا لا يصح نسبته لمالك، وإنما قال به عبد الحكم من أصحاب مالك في مختصره خلافًا للمعتمد من المذهب، كما سيأتي توثيق ذلك حين عرض الأقوال (¬١).
وقول عبد الحكم يدل على جواز إطالة الثانية على الأولى، وهو لا ينفي استحباب إطالة الأولى؛ لأن ترك المستحب من قبيل الجائز، ولا يلزم منه الوقوع في المكروه، إذا وقفت على ذلك، فنأتي للخلاف في مسألتنا:
فقال الحنفية والمالكية: يكره تنزيهًا إطالة الثانية على الأولى في الفرائض دون النوافل، وخص الحنفية الكراهة بزيادة ثلاث آيات فصاعدًا، فإن كان التفاوت بآية أو آيتين فلا يكره (¬٢).
وانفرد الحنفية بالقول بأنه لا يكره إطالة الثالثة على الثانية والأولى.
---------------
(¬١). وقد وجدت بعد كتابة هذا النص الشيخ محمد الخضر الشنقيطي في كتابه كوثر المعاني في كشف خبايا البخاري (٩/ ١٩٠) يقول: «واتفقوا على كراهة إطالة الثانية على الأولى، وكون مالك مخالفًا في هذا غير صحيح».
(¬٢). إطالة الركعة الثانية على الأولى بثلاث آيات فصاعدًا في الفرائض مكروه بالاتفاق عند الحنفية، وأما إذا كان التفاوت قليلًا نحو آية أوآيتين فلا يكره؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قرأ في المغرب بالمعوذتين وإحداهما أطول من الأخرى بآية، لأنه لا يمكن الاحتراز منه.
قال في الجوهرية النيرة على مختصر القدوري (١/ ٥٨): «وأما إطالة الثانية على الأولى فمكروه بالإجماع في الصلوات كلها، وهذا في الفرائض، وأما في السنن والنوافل فلا يكره»
وقال ابن نجيم في البحر الرائق (١/ ٣٦٢): «ويشكل على هذا الحكم ما ثبت في الصحيحين من قراءته - صلى الله عليه وسلم - في الجمعة والعيدين في الأولى بسبح اسم ربك الأعلى، وفي الثانية بهل أتاك حديث الغاشية، مع أن الثانية أطول من الأولى بأكثر من ثلاث آيات، فإن الأولى تسع عشرة آية، والثانية ست وعشرون آية.
وقد يجاب: بأن هذه الكراهة في غير ما وردت به السنة، وأما ما ورد عنه عليه الصلاة والسلام في شيء من الصلوات فلا.

أو الكراهة تنزيهية وفعله -عليه الصلاة والسلام- تعليمًا للجواز، لا يوصف بها، والأول أولى؛ لأنهم صرحوا باستنان قراءة هاتين السورتين في الجمعة والعيدين». اهـ
وأما زيادة الركعة الثانية على الأولى في السنن والنوافل ولو بثلاث آيات فصاعدًا فلا يكره؛ لأن أمرها سهل خلافًا لأبي يوسف. وانظر: العناية شرح الهداية (١/ ٣٣٧)، حاشية العدوي على تبيين الحقائق (١/ ١٣٠)، حاشية ابن عابدين (١/ ٥٤٢)، المحيط البرهاني (١/ ٣٠٦).

الصفحة 60