كتاب الجامع في أحكام صفة الصلاة - الدبيان (اسم الجزء: 3)

وإنما كانت العبرة للأكثر عند الحنفية؛ لأن الثواب أكثر، فله في كل حرف يقرؤه عشر حسنات.
ويجاب: بأن إصابة السنة أولى من الكثرة، فإن الله أخبر في كتابه، فقال: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} [الملك:٢]. ولم يقل: أكثركم عملًا.
* وقد استدل الجمهور على إصابة السنة:
(ح-١٤٨٣) بما رواه البخاري من طريق شيبان، عن يحيى (يعني ابن أبي كثير)، عن عبد الله بن أبي قتادة، عن أبيه، قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في الركعتين الأوليين من صلاة الظهر بفاتحة الكتاب، وسورتين يطول في الأولى، ويقصر في الثانية ويسمع الآية أحيانًا، وكان يقرأ في العصر بفاتحة الكتاب وسورتين، وكان يطول في الأولى، وكان يطول في الركعة الأولى من صلاة الصبح، ويقصر في الثانية.
ورواه مسلم من طريق الحجاج يعني الصواف، عن يحيى ابن أبي كثير به (¬١).
قال النووي: «فيه دليل لما قاله أصحابنا وغيرهم: إن قراءة سورة قصيرة بكمالها أفضل من قراءة قدرها من طويلة؛ لأن المستحب للقارئ أن يبتدئ من أول الكلام المرتبط، ويقف عند انتهاء المرتبط، وقد يخفى الارتباط على أكثر الناس، أو كثير منهم، فندب منهم إلى إكمال السورة؛ ليحترز عن الوقوف دون الارتباط» (¬٢).
[م-٥٨٣] واختلفوا في كراهة القراءة من أواسط السور أو من أواخرها:
فقيل: لا يكره مطلقًا، اختاره بعض الحنفية، وهو مذهب الشافعية والحنابلة، وإحدى الروايتين عن مالك، ونسبه النووي للجمهور (¬٣).
---------------
(¬١). صحيح البخاري (٧٥٩)، وصحيح مسلم (١٥٤ - ٤٥١).
(¬٢). شرح النووي على مسلم (٤/ ١٧٤).
(¬٣). فتح القدير لابن الهمام (١/ ٣٤٣)، المحيط البرهاني (١/ ٣٠٤)، حاشية ابن عابدين (١/ ٥٤٦)، درر الحكام شرح غرر الأحكام (١/ ١١١)، النهر الفائق (١/ ٢٣٧)، حاشية الشلبي على تبيين الحقائق (١/ ١٣١).
وقال خليل في التوضيح شرح جامع الأمهات (١/ ٣٢٩): «ذكر المازري والباجي في الاقتصار على بعض السورة قولين لمالك. قال في المختصر: لا يفعل ذلك، وإن فعل أجزأه.
وروى الواقدي عن مالك: لا بأس أن يقرأ بأم القرآن، وآية مثل آية الدَّيْنِ». اهـ =

الصفحة 68