كتاب الجامع في أحكام صفة الصلاة - الدبيان (اسم الجزء: 3)

تفعل ما يأمرك به أصحابك، وما يحملك على لزوم هذه السورة في كل ركعة فقال: إني أحبها، فقال: حبك إياها أدخلك الجنة (¬١).
[اختلف فيه في وصله وإرساله، وأعله الدارقطني بالإرسال] (¬٢).
والحديث المرسل مختلف في الاحتجاج به، فاحتج به الحنفية والمالكية، وأحمد في رواية.
وقال الشافعي: ليس بحجة إلا أن يعتضد بمثله، وهو رواية عن أحمد.
وقد اعتضد بحديث عائشة المتفق عليه، فصار حجة على سائر الأقوال.
وجه الاستدلال:
الحديثان يحكيان واقعتين مختلفتين، إحداهما وقعت في الحضر، والأخرى وقعت في السفر، فحديث عائشة المتفق عليه يحتمل أنه كان يختم بسورة الإخلاص في كل ركعة كما في حديث أنس.
ويحتمل أنه كان يختم بها القراءة في آخر ركعة يقرأ فيها.
وعلى التأويل الأول يكون الحديث دليلًا على جواز قراءة السورتين في الركعتين، وعلى التأويل الثاني يكون الحديث دليلًا على جواز قراءة السورتين في ركعة واحدة، وعلى أي الاحتمالين، فالحديث دليل على جواز قراءة سورتين في ركعة واحدة، سواء أكان ذلك يتكرر في الركعة الثانية، أم كان ذلك يقع في إحداهما.
وظاهر الحديث أن ذلك وقع في صلاة الفرض، والنفل مثله.
ودلالة الحديث على الجواز ظاهرة، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - أكمل الأمة محبة ومعرفة بصفة الرحمن، ولم يفعل ذلك، ولم يأمر الأمة بفعله.
يقول ابن رجب: «دَلَّ حديث أنس وعائشة على جواز جمع سورتين مع الفاتحة في ركعة واحدة من صلاة الفرض؛ فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يَنْهَهُ عن ذلك.
ويدل على أنه ليس هو الأفضل؛ لأن أصحابه استنكروا فعله وإنما استنكروه لأنه مخالف لما عهدوه من عمل النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه في صلاتهم؛ ولهذا قال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: (ما يمنعك أن تفعل ما يأمرك به أصحابك؟)، فدل على أن موافقتهم
---------------
(¬١). صحيح البخاري (١/ ١٥٥).
(¬٢). سبق تخريجه، انظر (ح ١٤٠٩).

الصفحة 84