كتاب الجامع في أحكام صفة الصلاة - الدبيان (اسم الجزء: 3)

الدليل الثاني:
(ح-١٤٩٩) ما رواه البخاري ومسلم من طريق شعبة، عن عمرو بن مرة، قال: سمعت أبا وائل، قال:
جاء رجل إلى ابن مسعود، فقال: قرأت المفصل الليلة في ركعة، فقال: هَذًّا كَهَذِّ الشِّعْرِ، لقد عرفت النظائر التي كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرن بينهن، فذكر عشرين سورة من المفصل، سورتين في كل ركعة (¬١).
دل الحديث على استحباب جمع السورتين في ركعة واحدة، وهوما يدل عليه لفظ (كان) الدال على الاستمرار، وظاهر الحديث مطلق لم يتقيد بفرض أو نفل.
* وأجيب:
بأن العلماء حملوا ذلك على صلاة الليل، خاصة أن الرجل قال: قرأت المفصل كله الليلة في ركعة، فهو يخبر عن قراءته في صلاة الليل، فاعترض عليه ابن مسعود بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يجمع سورتين في ركعة: أي في صلاته بالليل، لتكون المخالفة ظاهرة، فلو كان الرجل فعل ذلك في صلاة الليل، وكان الرسول - صلى الله عليه وسلم - فعل ذلك في صلاة الفرض، لم تظهر المخالفة؛ لأن القيام في صلاة الليل أطول من القيام في الفرض، وقد أذن الشارع للرجل إذا صلى وحده أن يطيل ما شاء، وإذا صلى بالناس أن يخفف.
قال ابن بطال: «ذكر عشرين سورة من المفصل، سورتين في كل ركعة، فدل هذا أن حزبه بالليل عشر ركعات، ثم يوتر بواحدة» (¬٢).
وقال ابن رجب: «الظاهر أن حديث ابن مسعود إنما هو في صلاة الليل» (¬٣).
* ورُدَّ هذا الجواب:
على التسليم بأنه محمول على صلاة الليل، فإن استحبابه في النفل دليل على استحبابه في الفرض إلا بدليل، ولا يلزم من قراءة سورتين في الفرض المشقة على الناس؛ لأن الإمام قد يختار القراءة من قصار المفصل، فتحصل سنة التخفيف مع
---------------
(¬١). صحيح البخاري (٧٧٥)، وصحيح مسلم (٨٢٢).
(¬٢). شرح البخاري لابن بطال (٣/ ١٣٠).
(¬٣). فتح الباري لابن رجب (٧/ ٧٧).

الصفحة 88