كتاب الجامع في أحكام صفة الصلاة - الدبيان (اسم الجزء: 3)

عن حذيفة، قال: صليت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ذات ليلة، فافتتح البقرة، فقلت: يركع عند المائة، ثم مضى، فقلت: يصلي بها في ركعة، فمضى، فقلت: يركع بها، ثم افتتح النساء، فقرأها، ثم افتتح آل عمران، فقرأها، يقرأ مترسلًا، إذا مر بآية فيها تسبيح سبح، وإذا مر بسؤال سأل، وإذا مر بتعوذ تعوذ .... الحديث (¬١).
وهذا الدليل يدل على الاستحباب، وليس على مطلق الجواز؛ لأن أفعال النبي - صلى الله عليه وسلم - التعبدية محمولة على الاستحباب إلا أن يقال: إن المقصود من هذا الفعل ليس تكرار السور، وإنما المستحب طول القيام، فكانت القراءة تبعًا له.
ولأن هذا الفعل ليس هو الغالب على فعل النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ فقد نقل ابن مسعود في الصحيحين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقرن بين النظائر: من المفصل عشرين سورة، كل سورتين في ركعة، على ترتيب ابن مسعود رضي الله عنه (¬٢)، وحديث حذيفة قرأ ما يزيد على مقدار المفصل كله في ركعة واحدة.
وقد يقال: ما جاز في النفل جاز في الفرض إلا بدليل، ولم يَأْتِ دليل يخص هذا الفعل بالنفل، أو ينهى عن فعله في الفرض، والأصل أنهما عبادتان من جنس واحد، ولا يلزم من جمع السورتين إطالة القيام في الفرض، والأصل فيها التخفيف، فقد يجمع السور من قصار المفصل، المهم أن يراعي في الصلاة مقدار القيام المشروع فيها، سواء أقرأ فيه سورة أم قرأ فيه أكثر من ذلك.
الدليل الثاني:
(ح-١٥٠٢) ما رواه البخاري ومسلم من طريق شعبة، عن عمرو بن مرة، قال: سمعت أبا وائل، قال:
جاء رجل إلى ابن مسعود، فقال: قرأت المفصل الليلة في ركعة، فقال: هَذًّا كَهَذِّ الشِّعْرِ، لقد عرفت النظائر التي كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرن بينهن، فذكر عشرين سورة من المفصل، سورتين في كل ركعة (¬٣).
والظاهر أن هذا كان في صلاة الليل.
---------------
(¬١). صحيح مسلم (٢٠٣ - ٧٧٢).
(¬٢). صحيح البخاري (٧٧٥)، وصحيح مسلم (٨٢٢).
(¬٣). صحيح البخاري (٧٧٥)، وصحيح مسلم (٨٢٢).

الصفحة 93