كتاب جواب الاعتراضات المصرية على الفتيا الحموية (اسم الجزء: الكتاب)
تُسْمِعُ الْمَوْتَى} [النمل/ ٨٠].
وفى الصحيحين (¬١) عن عروة بن الزبير قال: ذُكِر عند عائشة أن ابن عمر يرفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم "إن الميت يُعذَّب في قبرِه ببكاء أهلِه عليه"، فقالت: وهلَ، إنما قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إن السر ليُعذَّبُ بخطيئتِه أو بذنبِه وإن أهلَه ليبكون عليه الآن"، وذلك مثل قوله: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال على القليب يومَ بدرٍ وفيه قتلَى بدرٍ من المشركين، فقال لهم ما قال: "إنهم ليسمعون ما أقول"، وقد وهلَ، إنما قال: "إنهم ليعلمون الآن أن ما كنتُ أقول لهم حق"، ثم قرأت: {إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى} [النمل/ ٨٠]، {وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ} [فاطر/ ٢٢]، يقول: حين تبوَّأوا مقاعدهم من النار.
وفي لفظ البخاري (¬٢) عن نافع أن ابن عمر أخبرهم اطَّلعَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم على أهل القليب فقال: "وجدتم ما وعدكم ربكم حقًّا؟ "، فقيل له: تدعو أمواتًا! فقال: "ما أنتم بأسمعَ منهم، ولكن لا يُجيبون".
ومن المعلوم أن سَمْع الموتى قد ثبت بنصوص متواترة من حديث أنس وغيرِه، مثل قوله في الحديث المتفق عليه (¬٣): "إنه يسمعُ قَرْعَ نِعالهم حينَ يُولُّون عنه مُدبِرين"، وقوله في حديث ثابت: "ما من رجلٍ يَمرُّ بقبر الرجل كان يعرفه في الدنيا فيُسلِّم عليه، إلّا ردَّ الله عليه روحَه حتى يَرُدَّ عليه السلام" (¬٤)، وقوله: "ما من رجلٍ يُسلِّم عليَّ إلَّا ردَّ الله
---------------
(¬١) البخاري (٣٩٧٩) ومسلم (٩٣٢).
(¬٢) رقم (١٣٧٠).
(¬٣) البخاري (١٣٣٨، ١٣٧٤) ومسلم (٢٨٧٠) عن أنس.
(¬٤) أخرجه ابن عبد البر في الاستذكار ١/ ٢٣٤ عن ابن عباس. وصححه عبد الحق =