كتاب الجزائر الثائرة

وقد ذكرت إذ ذاك للأستاذ فريد أبي حديد أنني أعتزم إعداد كتاب عن رواد الإصلاح في الجزائر يكون منهم المجاهد الإسلامي الكبير الفضيل الورتلاني، فاهتز فرحا لهذه الفكرة وقال: أرجو أن يتمدد عمري حتى أرى هذا الكتاب وقد أديت فيه بعض ما يجب من حق هذا الرجل على رجال الفكر والقلم في الأمة العربية والإسلامية.
وظلت الفكرة تراودني من حين لآخر، ولكن أعمالا أدبية أو فكرية أخرى كانت تفرض نفسها ولا أستطيع الفكاك منها حتى جاءني في هذا الأسبوع نجل الأستاذ الفضيل ليُولِيني شرف تقديم كتاب والده، هذا الشرف الذي لا يؤهلني له إلا حسن الظن بي، وما لمسته في نجل الأستاذ الفضيل من رغبة جامحة، وإلحاح شديد، وعدته بالنظر في الأمر، وقبل الموعد اتصل بي أساتذة محترمون من الجزائر وقسنطينة يلحون علي في تقديم الكتاب ويقولون في شرف هذه المهمة ما جعلني ألبي رغبة النجل الكريم في أول لقائي به.
وعندما تصديت للكتابة شعرت بالتهيب ... وعندما أمسكت بالقلم تضاعف تهيبي وتضخم لا لأني سأكتب مقدمة لكتاب دبجته براعة عبقري عاش للجزائر وللأمة الإسلامية كل حياته، وكان بذلك من عظماء "الأحياء"، ولا لأني أكتب عن رجل جاهد طويلا من أجل بلده ثم مات وفي قلبه حنين مبرح إلى رؤيته وقد تحققت حريته واستقلاله وانطلق يبني الحياة ويصنع التاريخ.
وإنما لأن هذا العبقري المصلح لم ينل من أهل الفكر والقلم حظه من العناية والتقدير، وتوارى عنا منذ أكثر من ثلاثين سنة فلم نر عنه إلا كلمات قليلة من الأوفياء نشرت أو ألقيت بمناسبات لا تعدو أن تكون لمعا تسطع في جهام النسيان تنبه وتذكر، وتنعش عواثر المنى.
وكان من حق الأستاذ الفضيل على رجال الفكر والقلم في الجزائر وفي غيرها من البلاد العربية والإسلامية أن يوفوا له ويقفوا على حياته وقفة الذاكر بالجميل،

الصفحة 11