كتاب الجزائر الثائرة

"حينما التحقت بالدروس المشار إليها، وجدت الشمخ الفقيد ضمن الطبقة الرابعة - في أكتوبر سنة 1932 - وقد لاحظت منذ أول لحظة عرفته فيها أنه يتجلى بروح قوية، ويمتاز بحيوية دافقة، ونشاط ذاتي، وحماس متزايد وكان يسعى دوما لربط صلاته بطلاب الشيخ الواردين من مختلف مناطق الجزائر ويتمثل لنا يومئذ كأنه الأخ الأكبر لأولئك الطلاب، يريد أن يخرجهم من حالة الخمول التي جاءوا عليها في أقصر مدة وأن يبعث فيهم الحيوية والنشاط والثقة بالنفس قبل أن يتاح لهم ذلك عن طريق دروس شيخهم" (¬1).
وكان الأستاذ الفضيل لما حباه الله من مواهب فكرية خصبة، وقيم روحية عالية سريع التأثر بتربية الإمام ابن باديس، والاستجابة لرغباته الملحة في بناء نهضة إصلاحية تعيد إلى الإسلام شبابه وازدهاره في الجزائر، وترى المسلمين فيها طريق العز والمجد والكرامة ..
وكان لا يفارقه على الدوام بغزارة العلم، وصدق الملاحظة، وقوة الروح، وبعد النظر ونفوذ البصر، والخبرة الواسعة بتاريخ الأمم والشعوب صعودا وهبوطا، ورقيا وانحطاطا، وتعلم الأستاذ الفضيل من أستاذه كيف يتخذ الجهاد في سبيل العلم والإسلام والعربية عقيدة، وإذا لم يكن للجزائر سلاح تقاوم به الاستعمار الفرنسي البغيض حتى تكتسحه من أرضها فإن لها العقول التي تصنعه، هذه العقول التي يجب بذل الكثير بلا كلل أو فتور من أجل ترقيتها وإضاءة الطريق أمامها.
ويقول عنه العلامة الأستاذ البشير الإبراهيمي في هذا المنحى:
"لازم إمام النهضة عبد الحميد بن باديس فتأثر بمنازعه الخطابية ومواقفه في حرب الضلال، وسقيت ملكته بغيث ذلك البيان فأصبح فارس منابر، وحضر اجتماعات
¬__________
(¬1) - الثقافة الحدد 34 شعبان / رمضان 1946.

الصفحة 16