كتاب الجزائر الثائرة

ولقد دفع الأستاذ الفضيل بالطلبة إلى العمل الجاد في متابرة وصبر، وعمق في نفوسهم حب الله والوطن، وهيأ لهم الجو الذي يسمح لهم بالتفكير الحر، والحوار البناء، وكان يهيب بهم أن يقرؤوا التاريخ ويستنطقوه عن الأمم والشعوب ليعرفوا قيمتهم وقيمة أمتهم في هذا الوجود ويعرفوا أنها محقة حينما تطلب الحياة الكريمة وتتعشق الحرية وتستهين بالموت في سبيلها وكان يلفت أنظارهم إلى أمجاد الأمة الإسلامية ويستحثهم على ترسم خطاهم والتجلي بأخلاقهم والاعتزاز بهم، وكان يحبب إليهم اللغة الوطنية لغة القرآن الكريم، ويحرضهم على التحدث بها وينزع بهم إلى النطق بها سليمة صحيحة، ويؤكد لهم أن من يتحدث بغير لغته من غير ضرورة فهو في خليقته وعقيدته ونمط تفكيره لا يختلف عن أهل تلك اللغة، وهو محكوم عليه بالتبعية المدنية والعبودية الأدبية، والوجود "الملفق" دون أن ينسى أن يحثهم في الوقت نفسه على تعلم ما أمكن من اللغات الأجنبية فإن المرء يتعدد بتعدد اللغات التي يجيدها شريطة أن تكون لغته الوطنية (العلامة المميزة) لوجودد والمظهر الصادق لاستقلاله ووطنيته.
وقد نال الأستاذ الفضيل بمواهبه الفكرية وجهوده البناءة المتميزة سواء في حقل التربية والتعليم، أو في مختلف المجالات الإصلاحية الأخرى رضا أستاذه الإمام فكان يصطحبه في جولاته عبر الوطن التي كان يعقدها من حين لآخر لنشر الإصلاح وتكوين الجمعيات، وتأسيس المدارس فتمكن الأستاذ الفضيل من رؤية الوضع في الجزائر على حقيقته، وسماع ما يثير دفائن الأسى والحسن من مهازل الاستعمار الفرنسي وفظائعه، واتضح له أن واقع الأمة الجزائرية بين عدوين جائرين أحدهما في الداخل وهو الذي يتمثل في البدع والخرافات والمفاهيم الخاطئة التي تنخر في كيان الإسلام، والآخر من الخارج وهو الاستعمار الفرنسي الفاجر الأعوج الذي يلح على الأمة بالقهر والفقر، والعذاب والخراب مما ظهر أثره بعد ذلك في مقالاته ومحاضراته المختلفة في الشرق والغرب.

الصفحة 19