كتاب الجزائر الثائرة

وينبغي أن نلاحظ للحقيقة والتاريخ، ولزيادة التوضيح أيضا أن جمعية العلماء المسلمين الجزائريين التي كان الأستاذ الفضيل أحد أبنائها البررة كان لها الأثر العظيم في مجال اليقظة والإصلاح في الجزائر، كما كان لها الفضل الكبير في تكوين رجال صالحين أبرز ما يميزهم الإخلاص للجمعية، والتفاني في خدمة مبادئها، والسير على نهج رائدها المصلح ابن باديس الذي علمهم أن ليس بينهم وبين الغاية - وإن كانت بعيدة - إلا أن يسلكوا إليها طريقها بلا تردد أو خوف!!.
ولا يمكن إدراك عملها الضخم، وتصور جهادها الخطير إلا بإدراك خطورة الوضع، ومرارة الواقع الذي برزت فيه الجمعية وتصدت لتغييره، فالاستعمار الفرنسي قد جند كل ما يملك من حيلة وقوة للقضاء على الإسلام واللغة العربية في الجزائر، وطبق قوانين قاسية جائرة غايتها جعل أبناء الوطن عبيدا بل أنعاما للمحتلين يمضون أعمارهم في العمل الوضيع، أو الكسل المذيب، أو الملل المميت، وبجانب الاستعمار بعض الطرقين الذين أخذوا من العلم قشورا فظنوها لبابا، وكانوا للاستعمار خرافا وظنوا أنفسهم أسودا، لم يعرفوا من الإسلام إلا أنه مظاهر مألوفة، وملابس موروثة، وخضوع لأولي الأمر في كل ما يأتون وما يدعون كأنه تنزيل من السماء، وجعلوا الإسلام جسما بلا روح، وطقوسا هزيلة باهتة، ولقاءات نكر، وحفلات "شطح" أو جذب وكانوا بذلك أكبر أعوان الاستعمار على تدمير القيم الإسلامية ومسخ الإنسان الجزائري.
وكانت ثورة ابن باديس ورجال جمعية العلماء ضد الجهل والاعتقاد الزائف، والفكر الجامد، وثورة على الطرقية الضالة والشعوذة المخدرة، وثورة على المهازل السياسية الاستعمارية الفرنسية وقد أعلن عن إصراره على مواصلة الجهاد ضد هذه الجبهات مهما كانت الظروف وكانت المؤامرات والعراقيل وكان يقول:
"تستطيع الظروف أن تكيفنا ولكنها لا تستطيع أن تتلفنا".

الصفحة 20