كتاب الجزائر الثائرة

وكان الأستاذ الفضيل من أبرز رجال الجمعية، ومن مشاهير مناضليها المخلصين الذين وقفوا ضد تلك الجبهات مواقف شجاعة تذكر بالإعجاب والتقدير، وكانوا مثلا يقتدى في حب الوطن والغيرة على الدين واللغة العربية والتفاني في العمل الجاد بكل تجرد ونزاهة.
وكانت الوشائج والأواصر التي تربط الإمام المصلح برجال الجمعية هي الأواصر التي تربط كل جمعية أو طائفة نهضت لنصرة الحق، ومحارجة الباطل، ولذا انتصرت وحققت في الجزائر إنقلابا فكريا كانت ثماره فى الثورة التحريرية وفي العهد الجديد.
تلك الأواصر تربط بين أفراد الجمعية وفي الوقت نفسه كانت حوافز وضوامن ومحققات، فهي تحفز الهمم وتحدد الغاية، وتضمن الاستقامة على الجادة، وتحقق النجاح.
فالآصرة الأولى هي آصرة الأخوة والمحبة والألفة والإيثار التي لا يعرف سرها إلا من عرف سر التألف والمحبة بين بلال (العبد) وأبي بكر (السيد) وسر هذا أو ذاك في قوله تعالى: {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (الأنفال: 63).
والآصرة الثانية هي آصرة الفكرة والهدف وهي التي تجعل الإنسان يمضي في الطريق المختار غير مكترث بما يلاقيه من متاعب ومشاق، وقد يعذب أو يسجن أو يموت ولكن كل ذلك هين في نظره. والآصرة الثالثة هي آصرة التنظيم لأن الجمعية أو الطائفة التي لا نظام لها تسير عليه لا يمكن أن يكتب لعملها النجاح أو تقوم لدعوتها قائمة، والتنظيم يتطلب قبل كل شيء حسن القيادة ..
والقيادة الحسنة تقوم على الشخصية القوية، والكفاءة المرموقة، وعلى الحزم بعد الشورى، وهذا ما توفر في الإمام المصلح الشيخ عبد الحميد بن باديس حتى تمكن

الصفحة 21