كتاب الجزائر الثائرة

ولغة، وليزرع في قلوب الآباء والأبناء معا حب الدين، والجنس واللغة، والوطن، وليعيد إلى الجزائر بذلك كله قلوبا قد تنكرت لها، وأفئدة هوت إلى غيرها، وغراسا أضماهم الاستعمار في مغارسه، فالتمس الربى والنماء في غيرها، فتتبعهم الفضيل في مطارح اغترابهم وجمع شملهم على الدين وقلوبهم على التعارف والأخوة، وجمع أبناءهم على تعلم العربية وأسس في باريس وضواحيها بضعة عشر ناديا عمرها هو ورفاقه الذين أمدته بهم جمعية العلماء، بدروس التذكير للآباء والتعليم للأبناء، والمحاضرات الجامعة في الأخلاق والحياة، ونجح الفضيل في أعماله كلها نجاحا على المسلمين في فرنسا بالخير والبركة.
ونجح الفضيل هذا النجاح الباهر الأنه كان مؤمنا بالله وكان أيضا قويا .. وقوة الفضيل تكمن في العقل والروح، وفي اللسان والقلم، فقد كان قوي الحجة صحيح الدليل، عميق الفكرة، بعيد النظرة، يصقل روحه بالقرآن، ويمحصها بالارتياض والتأمل والصيام، وكان إلى ذلك كله بارز الشخصية قوي الرجولة، جريئا في كل رأي يراه، وفي كل عمل يتولاه، مجتهدا في الفهم، يحاول اكتشاف الآفاق البعيدة والنظر الثاقب، والإدراك النافذ ..
أما قوته في اللسان والقلم فقد كان بليغا فصيحا - كما ذكرنا -
فإذا كانت الخطابة من أقوى وسائل الإقناع ومن أهم أدوات النضال السياسي والثقافي والاجتماعي فإن الأستاذ الفضيل كان في طليعة الخطباء المصاقع وكانت له مميزات الخطيب ومواهبه: شخصية قوية، وذهنية خصبة، وعقلية قوية، وبديهة حاضرة، ولفظ مختار، وقدرة على الارتجال لا تبارى!!
إذا نهض يخطب في النوادي والمحافل، نهضت معه القلوب، وثارت معه الخواطر، وانشدت إليه المشاعر والأحاسيس طالما هو يتكلم، وكانت قدرته على

الصفحة 25