كتاب الجزائر الثائرة

ولكن هذه الحركة لاقت معارضة ومناهضة من بعض المغرضين الذين يقلقهم النور، وحاولوا أن ينالوا منها بحيادهم ومكائدهم ومناوراتهم، ولكن أنى لهم ذلك والحركة قائمة على الجهاد المستمر الواعي تحبط المناورات وتكتسح المكائد والعقبات، وتستمد عونها وقوتها من الله رب العالمين ..
ولما لاح في الأفق السياسي الغربي بوادر الحرب العالمية الثانية، غادر الأستاذ الفضيل فرنسا إلى مصر - لاسيما والسلطات الفرنسية تتعقب كل تحركاته، وتأخذ بمتنفسه تمهيدا لإلقاء القبض عليه وكان ذلك في أواخر سنة 1938.
والتحق بالجامع الأزهر معقل العروبة والإسلام، وتابع الدراسة فيه إلى أن أحرز على الشهادة العالمية الأزهرية وهي أعلى شهادة تمنح في الأزهر.
وكان الأستاذ الفضيل حريصا على متابعة أخبار الجزائر بحس مرهف، وتلهف ظامئ في كل مكان يحل به، فيطرب للإيجاب منها وينتشي ويتأثر للسلبي ويعتصره الألم وكان إذا رأى جزائريا فتح له قلبه، وثارت معه ذكرياته وحن إلى الجزائر حنين الآلف فارقه القرين.
آثر البقاء بالقاهرة مركز الثقافات المختلفة، وملتقى النازحين من أبناء العروبة والإسلام ومجمع العلماء والمفكرين ورجال السياسة وأحرار الفكر، الذين نبت بهم ديارهم، وطوحت بهم مضايقات الاستعمار ليحملوا لواء الغضبة المقدسة في وجه العدو خارج بلادهم.
وجد الجو ملائما، بل مشجعا على مواصلة الجهاد من أجل الجزائر والقضايا العربية والإسلامية الأخرى، فاستأنفه بإرادة أقوى، وعزيمة أمضى، ونفس لا تعرف الكلل أو الفتور، وبالرغم من بعده عن الجزائر فإنه كان يقلق المستعمرين الفرنسيين، وينغص حياتهم، ويكدر صفوهم، بموافقة الدفاعية عن الجزائر، ومقالاته الصحفية الجريئة التي ينذرهم فيها بالويل والثبور ..

الصفحة 27