كتاب الجزائر الثائرة

إذا علمت كل ذلك، استطعت أن تفهم، وتقتنع بأن ثورة الجزائر، إنما قامت لأجل أن تقضي على هذا النوع من الانتخابات الملعونة، بل على هذا الضرب من الإهانات، التي تنزل بكرامة الأمة العريقة، إلى مستوى العبيد. ومع ذلك كله تسمع حكام فرنسا، في كل موقف كريم، وفي كل دعوة إلى السلام، يجعلون أسخى عروضهم، على الجزائريين، هي هذه الانتخابات السخيفة.
الحقيقة أن الذي يعرف الأوضاع في الجزائر كما هي، ثم يسمع عروض أولئك الحكام، ولم يكن يملك ثلاجة يضع فيها أعصابه، فإنه لا يسعه إلا أن يخرج عن وقاره، ولربما يخرج عن آداب دينه، فيسب ويلعن ...
ولقد أعلنا مئات المرات، أن الانتخابات التي يؤيدها الجزائريون في وطنهم، وأمتهم، ويقاتلون من أجلها، حتى النصر أو الفناء. إنما هي مثل انتخابات الفرنسيين في وطنهم وأمتهم، سواء بسواء.
تلك الانتخابات التي سبقنا إلى المطالبة بها، ويسبقونا إلى الثورات، والقتال، وإعدام ملوكهم، من أجل الحصول عليها، وهم ما يزالون يباهون، ويفتخرون، حتى اليوم بتلك الفعال كلها.
فهل يليق بكرامتهم، وأمجادهم، وتاريخهم، أو هل يليق بمنطق الذي يحتكم إليه الناس، أن يلوحوا علينا إذ قلنا لهم:
نحن على آثاركم مقتدون، وعلى طريقتكم المفضلة سائرون، وعلى كل حال، فليعلم الفرنسيون أننا، والله العالي القهار، لنقاتلن كل من يقف في طريقنا هذه التي سبقتمونا إلى سلوكها، ولو كان الواقف فيها، من أعز الناس لدينا، ولو كان من ملوكنا وعظمائنا.
فكيف لو كان من جلادينا، وممن لا يريدوا أن يعترفوا لنا بحق اشتريناه بدمائنا.
نعم اشتريناه بدمائنا - رغم كونه حقا طبيعيا لنا - يوم قدمنا مئات الآلاف من زهرة شبابنا، ليحققوا لكم النصر، في حربين عالميتين، لم تكونوا فيهما شيئا معتبرا راجحا لولا

الصفحة 367