كتاب الجزائر الثائرة

قوى الجزائريين وبلاؤهم، أن تظنون، أنه ما يزال في الإمكان، أن تظل هذه القوى إلى جانبكم، وحريتهم مسلوبة، وغدركم بهم، واحتقاركم لهم، سنن دائمة خالدة .. ؟ كلا يا سادة، إذا لم تريدوا أن تعقلوا جيدا، وتفكروا في مصلحتكم الحقيقية البعيدة، فإنكم ستجدوننا أمام الدفاع عن كياننا أجن من المجانين بإذن الله، ولن يبقى يومئذ في الدنيا حرام نمتنع عن استعماله ضد وحشيتكم واستعبادكم والله المستعان.
الحقيقة الثانية: إن محاولة إدماج الجزائر في فرنسا، لن يؤدي حقا إلا إلى استمرار الحرب لمدة أطول، لأن هذه المحاولة، مخالفة لكل القواعد التي تسير عليها الطبيعة، وتسير عليها البشرية في حياتها، فجمع الليل مع النهار، ودمج بعضها في بعض آخر تأباه قوانين الطبيعة، ومحاولته عبث يتنزه عنه حتى الأطفال، وكذلك دمج أمتين في بعضهما ولم يكن يجمع بينهما في الأصول، ولا فيما تعاشرا فيه من أعوام، سوى ما يجمع بين الذئب والحمل، وبين الأضداد من الأشياء، والحياة البشرية الكريمة تأبى كذلك، أن تتألف شركة بين أفراد من الناس، يكون فريقا منها عبيدا، وفريق آخر سادة، ومما يحسن توضيحه هنا، وهو يبعث على الضحك والبكاء في آن واحد، هو أن الفرنسيين، وخاصة حكامهم وزعماؤهم، ملأوا أجواء الفضاء ادعاء وصراخا بأن الجزائر فرنسية، وأن أهلها فرنسيون، وأنه لا تعتريهم حالة من الهستيريا، حينما يأبى عاقل أن يصدقهم في ذلك، حتى لو كان هذا العاقل، هو مجلس هيئة الأمم المتحدة بجلالة قدره، فلقد انسحب وفدهم من المجلس فعلا، احتجاجا على قبوله النظر في قضية الجزائر، على اعتبار أنها شيء آخر غير فرنسا. ومع ذلك كله، لا يخجل هؤلاء الحكام البرابرة، أن يواجهوا الدنيا في الوقت نفسه، بقوانين يسنونها، وأنظمة يضعونها خاصة بالجزائريين دون الفرنسيين ولم تكن مألوفة حتى العصور الحجرية. وإذا كان الفرنسيون لا يملون في تكرار الكذب والافتراء، فإنه من حقنا، ومن حق القارئ علينا، أن نكرر قول الحق والواقع.
هذا الحق وهذا الواقع يا حضرة القارئ، هو أن هذا الجزائري، الذي يزعم الفرنسيون في غير حياء، أنه فرنسي، لا تسمح له القوانين الفرنسية، أن يكون موظفا إداريا، فوق

الصفحة 368