كتاب حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)

السلام، ويستزيركم لتنظروا إليه، وينظر اليكم، وتحيونه ويحييكم، ويكلمكم وتكلمونه، ويزيدكم من سعته وفضله، إنه ذو رحمة واسعة، وفضل عظيم. فيتحول كل رجل منهم على راحلته، ثم انطلقوا صفًّا واحدًا معتدلًا، لا يفوت منه شيء شيئًا، ولا يفوت أذن الناقة أذن صاحبتها، ولا بِرْكَة (¬١) ناقة بركة صاحبتها، ولا يمرون بشجرة من أشجار الجنة إلا أتحفتهم بثمرتها، وَرَحَلَتْ لهم عن طريقهم كراهية أن ينثلم صفهم، أو يفرق بين الرجل ورفيقه، فلما رفعوا إلى الجبار تبارك وتعالى أسفر لهم عن وجهه الكريم، وتجلى لهم في عظمته العظيمة، فقالوا: ربنا أنت السلام ومنك السلام، ولك حق الجلال والإكرام، فقال لهم ربُّهم تبارك وتعالى: إنِّي السلام، ومنِّي السلام، ولي حق الجلال والإكرام، مرحبًا بعبادي الذين حفظوا وصيتي، ورعوا عهدي، وخافوني بالغيب، وكانوا مني على كل حال مشفقين. قالوا: وعزتك وجلالك وعلو مكانك، ما قدرناك حق قدرك، وما أدينا إليك كل حقك، فائذن لنا بالسجود، فقال لهم ربهم تبارك وتعالى: إني قد وضعت عنكم مؤنة العبادة، وأرحتُ لكم أبدانكم، فطالما أنصبتم لي الأبدان، وأعنيتم لي الوجوه، فالآن أفضيتم إلى رَوحي ورحمتي وكرامتي، فسلوني ما شئتم، وتمنُّوا عليَّ أُعطِكُم أمانيكم، فإنِّي لن أجزِيَكُم اليوم بقدر أعمالكم، ولكن بقدر رحمتي وكرامتي، وَطَوْلي وجلالي، وعلو مكاني وعظمة شأني. فما يزالون في الأماني والعطايا
---------------
(¬١) بركة: ما ولي الأرض من جلد بطن البعير وما يليه من الصدر، واشتقاقه من مبرك البعير. معجم تهذيب اللغة للأزهري (١/ ٣١٨).

الصفحة 580