كتاب حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)

السماء إلى الأرضِ، والأوَّل إهباط من الجنَّة، وحينئذٍ فتكون الجنَّة التي أُهْبِطُوا منها أوَّلًا فوق السَّماءِ = جنة الخلدِ.
وقد ظنَّ الزمخشري أنَّ قوله تعالى: {اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا} [البقرة: ٣٨] خطاب (¬١) لآدم وحواء خاصَّة، وعبَّر عنهما بالجمع لاسْتِتْباعهما ذُرِّيَّاتهما، قال: "والدليلَ عليه قوله تعالى: {قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} [طه: ١٢٣]، قال: ويدل على ذلك قوله تعالى: {فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (٣٨) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (٣٩) } [البقرة: ٣٨ - ٣٩]، وما هو إلا حكم يعمّ النَّاس كلهم، ومعنى قوله: {بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} ما عليه النَّاسُ من التَّعادي والتَّباغي وتضليل بعضهم بعضا" (¬٢) .
وهذا الَّذي اختاره أضعف الأقوال في الآية، فإنَّ (¬٣) العداوة التي ذكرها اللَّهُ تعالى إنَّما هيَ بين آدم وإبليس وذريتهما، كما قال اللَّه تعالى: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا} [فاطر: ٦]، وهو سبحانه قد أكَّد أَمْرَ العداوةِ بين الشيطان (¬٤) والإنسان، وأعاد وأبَّد (¬٥) ذِكْرَهَا في القرآن لِشِدَّةِ الحاجة إلى التحرز من هذا العدو، وأمَّا آدم وزوجته، فإنَّه إنَّما أخبر في
---------------
(¬١) ليس في "ب".
(¬٢) انظر: الكشَّاف (١/ ١٢٨).
(¬٣) في "ب": "لأنَّ".
(¬٤) من قوله "لكم عدو فاتخذوه" إلى "الشيطان" سقط من "ب، ج".
(¬٥) في "ب، د": "وأبْدى"، وسقط من "ج".

الصفحة 60