كتاب حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 2)

أشرف عليهم من فوقهم وقال: يا أهل الجنَّة: سلامٌ عليكم، فلا تردُّ هذه التحية بأحسنَ من قولهم: اللهم أنت السلام، ومنكَ السلام، تباركتَ ياذا الجلال والإكرام، فيتجلى لهم الرب تبارك وتعالى يضحك إليهم، ويقول: يا أهل الجنة، فيكون أول ما يسمعون منه تعالى: أين عبادي الذين أطاعوني بالغيب ولم يروني، فهذا يوم المزيد، فيجتمعون على كلمة واحدة أن قد رضينا فارض عنا، فيقول: يا أهل الجنة، إني لو لم أرض عنكم لم أُسْكِنْكم جنتي، هذا يوم المزيد فسلوني. فيجتمعون على كلمةٍ واحدة: أرنا وجهك ننظر إليه، فيكشف الرب جل جلاله الحُجُب، ويتجلى لهم، فيغشاهم من نوره ما لولا أن اللَّه سبحانه وقضى أن لا يحترقوا لاحترقوا، ولا يبقى في ذلك المجلس أحد إلا حاضره الربُّ تعالى محاضرة، حتى إنه ليقول: يا فلان أتذكر يوم فعلت كذا وكذا، يذكره ببعض غدراته في الدنيا، فيقول: يا رب ألم تغفر لي؟ فيقول: بلى بمغفرتي بلغت منزلتك هذه.
فيا لذة الأسماع بتلك المحاضرة، ويا قُرَّة عيون الأبرار بالنظر إلى وجهه الكريم في الدار الآخرة، ويا ذِلَّة الراجعين بالصفقة الخاسرة. {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (٢٢) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (٢٣) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ (٢٤) تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ (٢٥) } [القيامة: ٢٢ - ٢٥].
فحيَّ على جنَّاتِ عدْنٍ فإنَّها ... منازلُكَ الأُولى وفيها المُخَيَّمُ
ولكنَّنا سبْي العدوِّ فهل ترى ... نعُودُ إِلى أوطاننا ونسلِّمُ (¬١)
---------------
(¬١) البيتان للمؤلَّف ضمن قصيدته في وصف الجنَّة، تقدمت في أَوَّل الكتاب ص (١٤).

الصفحة 604