كتاب حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)

أمَّا بعدُ: فإنَّ اللَّهَ سبحانه وتعالى لم يخلق خلقَهُ عَبَثًا، ولم يتركهم سُدًى، بل خلقهم لأمرٍ عظيمٍ، وخطْبٍ جسيمٍ، عُرِضَ (¬١) على السموات والأرض والجبال فأبينَ وأشْفَقْنَ (¬٢) منه إشفاقًا ووجلًا، وقلن: ربَّنا إن أمرتنا فسمعًا وطاعةً، وإن خَيَّرْتَنَا فعافيتك نُريد، لا نَبْغي بها بدَلًا. وحمَلَهُ الإنسانُ على ضَعْفِهِ وعجزِه عن حمله، ونَاءَ (¬٣) به على ظُلمه وجهله، فألقى أكثرُ النَّاسِ الحِمْلَ عن ظهورهم لشدَّة مؤنَتِهِ عليهم وثقله، فصحبوا الدنيا صحبةَ الأنعام السَّائمة، لا ينظرون في معرفة مُوجدِهم وحقِّهِ عليهم، ولا في المراد من إيجادهم وإخراجهم إلى هذه الدَّار، التي هي طريق ومَعْبر إلى دار القرار، ولا يَتَفكَّرُون في قلَّة مقامهم في الدنيا الفانية، وسُرعة رحيلهم إلى الآخرة الباقية، فقد ملكهم باعثُ الحِسِّ (¬٤) ، وغاب عنهم داعي العقل، وشملتهم الغفلة، وغرَّتهم الأمانيُّ الباطلة، والخُدَع الكاذبة، فخدَعَهم طولُ الأمل، ورَانَ على قلوبهم سوءُ العمل، فَهِمَمُهُم (¬٥) في لذَّات الدنيا، وشهوات النفوس، كيف حَصَلَتْ حصَّلوها، ومن أيِّ وجهٍ لاحت لهم (¬٦) أخذوها، إذا أبدى لهم حظٌّ من الدنيا ناجِذَيْه طاروا إليه
---------------
(¬١) في "هـ": "عُرِضَ حمله على. . . ".
(¬٢) وقع في "ب"، وفي نسخةٍ على حاشية "أ" واسْتعْفعيْن"، وجاء في "د" "واستعفين وأشفقن منه" بالجمع بينهما.
(¬٣) في "ج، هـ" "وباء"، وضُرِبَ عليها في "د".
(¬٤) في "أ، ج، هـ": "الجِنِّ".
(¬٥) في "ب، هـ": "فهَمُّهُم".
(¬٦) ليس في "أ، هـ".

الصفحة 7