كتاب الحاوي الكبير (اسم الجزء: 1)

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ مَذْهَبُ الْبَصْرِيِّينَ وَحَكَاهُ الْبُوَيْطِيُّ عَنِ الشَّافِعِيِّ: أَنَّهُ يُدْخِلُ أُصْبُعَيْهِ فِي صِمَاخَيْهِ بِمَاءٍ جَدِيدٍ غَيْرِ مَاءِ أُذُنَيْهِ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ إِدْخَالُ الْأُصْبُعَيْنِ فِي الصِّمَاخَيْنِ سُنَّةً زَائِدَةً عَلَى مَسْحِ الْأُذُنَيْنِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ مَذْهَبُ الْبَغْدَادِيِّينَ أنه يدخل إصبعيه في صماخيه بماء أذنيه فَعَلَى هَذَا يَكُونُ ذَلِكَ مِنْ جُمْلَةِ مَسْحِ الْأُذُنَيْنِ وَلَا يَكُونُ سُنَّةً زَائِدَةً عَلَى مَسْحِ الأذنين، وقد حكى عن أبي العباس ابن سُرَيْجٍ فِي مَسْحِ أُذُنَيْهِ أَنَّهُ كَانَ يَغْسِلُهُمَا ثَلَاثًا مِعِ وَجْهِهِ كَمَا قَالَ ابْنُ سِيرِينَ وَالزُّهْرِيُّ، وَيَمْسَحُهُمَا مَعَ رَأْسِهِ كَمَا قَالَ أبو حنيفة وَيَمْسَحُهُمَا ثَلَاثًا مُفْرَدَةً كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَلَمْ يَكُنْ أَبُو الْعَبَّاسِ يَفْعَلُ ذَلِكَ وَاجِبًا وَإِنَّمَا كَانَ يَفْعَلُهُ احْتِيَاطًا وَاسْتِحْبَابًا لِيَكُونَ مِنَ الخلاف خارجاً.

(مسألة)
: قال الشافعي رضي الله عنه: ثم يغسل رجليه ثلاثاً ثلاثاً إلى الكعبين.
قال الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ غَسْلُ الرِّجْلَيْنِ فِي الْوُضُوءِ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ بِنَصِّ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ. وَفَرْضُهُمَا عِنْدَ كَافَّةِ الْفُقَهَاءِ الْغَسْلُ دُونَ الْمَسْحِ، وَذَهَبَتِ الشِّيعَةُ إِلَى أَنَّ الْفَرْضَ فِيهِمَا الْمَسْحُ دُونَ الْغَسْلِ، وَجَمَعَ ابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ فَأَوْجَبَ غَسْلَهُمَا وَمَسْحَهُمَا. وَاسْتَدَلَّ مَنْ قَالَ بِجَوَازِ الْمَسْحِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ إِلَى الكَعْبَيْنِ} (المائدة: 6) . بِخَفْضِ الْأَرْجُلِ وَكَسْرِ اللَّامِ عَطْفًا عَلَى الرَّأْسِ. قَرَأَ بِذَلِكَ أَبُو عَمْرٍو وَابْنُ كثير وحمزة وأحد الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ عَاصِمٍ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ فَرْضُ الرِّجْلَيْنِ الْمَسْحَ لِعَطْفِهِمَا عَلَى الرَّأْسِ الْمَمْسُوحِ.
قَالَ: ويؤيد ذلك أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ سَمِعَ الْحَجَّاجَ يَقُولُ فِي خُطْبَتِهِ: أَمَرَ اللَّهُ بِغَسْلِ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ وَمَسْحِ الرَّأْسِ وَغَسْلِ الرِّجْلَيْنِ فَقَالَ: صَدَقَ اللَّهُ وَكَذَبَ الْحَجَّاجُ، إِنَّمَا أَمَرَ اللَّهُ

الصفحة 123