كتاب الحاوي الكبير (اسم الجزء: 1)

فَإِنْ بَلَغَ قُلَّتَيْنِ فَهُوَ طَاهِرٌ مُطَهِّرٌ، وَالْبِئْرُ طَاهِرَةٌ، وَإِنْ كَانَ دُونَ الْقُلَّتَيْنِ فَقَدْ طَهُرَتِ الْبِئْرُ، وَهُوَ مَاءٌ مُسْتَعْمَلٌ فِي إِزَالَةِ نَجَاسَتِهِ، فيكون على مذهب الشافعي طاهر غَيْرَ مُطَهِّرٍ، وَعَلَى مَذْهَبِ الْأَنْمَاطِيِّ نَجِسًا. وَإِنْ كَانَ الْمَاءُ النَّابِعُ مُتَغَيِّرًا فَلَا يَخْلُو تَغْيِيرُهُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ مِنَ النَّجَاسَةِ فَيَكُونُ الْمَاءُ نَجِسًا.
وَالثَّانِي: أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ مِنْ غَيْرِ النَّجَاسَةِ إِمَّا لِحَمْأَةٍ أو لفساد التربة فَلَا حُكْمَ لِتَغْيِيرِهِ وَلَا يُؤَثِّرُ هَذَا التَّغْيِيرُ فِي تَنْجِيسِهِ، وَيَكُونُ كَحُكْمِهِ لَوْ كَانَ غَيْرَ مُتَغَيِّرٍ عَلَى مَا مَضَى.
وَالثَّالِثُ: أَنْ يَشُكَّ فِي سَبَبِ تَغْيِيرِهِ هَلْ هُوَ لِأَجْلِ النَّجَاسَةِ أَوْ لِفَسَادِ التُّرْبَةِ؟ فَيَغْلِبُ عَلَيْهِ حُكْمُ التَّغْيِيرِ بِالنَّجَاسَةِ فَيَكُونُ نَجِسًا؛ لِأَنَّهُ الظَّاهِرُ مِنْ حَالِ تَغْيِيرِهِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَوْ أَنَّ غَدِيرًا بَالَ فيه ظبي فوجده مَاؤُهُ مُتَغَيِّرًا فَلَمْ يَعْلَمْ هَلْ تَغَيَّرَ لِبَوْلِ الظَّبْيِ، أَوْ لِطُولِ الْمُكْثِ كَانَ الْمَاءُ نَجِسًا؛ لأن ظاهر تغييره أَنَّهُ لِوُقُوعِ النَّجَاسَةِ فِيهِ، فَغَلَبَ حُكْمُهُ، فَهَذَا حُكْمُ الْمَاءِ الرَّاكِدِ فِي بِئْرٍ أَوْ غَيْرِهَا مَاءِ إِنَاءٍ أَوْ غَدِيرٍ.

(فَصْلٌ: إِذَا وَقَعَتْ في الماء الجاري نجاسة)
فَأَمَّا الْمَاءُ الْجَارِي إِذَا وَقَعَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ، فَلَا يَخْلُو حَالُهَا مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ:
إِمَّا أَنْ تَكُونَ مَائِعَةً أَوْ مُتَجَسِّدَةً، فَإِنْ كَانَتْ مَائِعَةً فَلَا يَخْلُو أَنْ يَتَغَيَّرَ بِهَا شَيْءٌ مِنَ الْمَاءِ الْجَارِي أَمْ لَا؟ فَإِنْ تَغَيَّرَ بِهَا شَيْءٌ مِنْهُ كَانَتِ الْجَرْيَةُ الَّتِي تَغَيَّرَتْ بها نجسة، وَكَانَ مَا فَوْقَهَا مِنَ الْمَاءِ الْأَعْلَى وَمَا تَحْتَهَا مِنَ الْمَاءِ الْأَسْفَلِ طَاهِرَيْنِ، وَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ بِهَا فَالْجَرْيَةُ الَّتِي وَقَعَتْ فِيهَا النَّجَاسَةُ نَجِسَةٌ، وَمَا تَحْتَهَا وَفَوْقَهَا طَاهِرٌ، فَإِنْ كَانَ الْمَاءُ الْجَارِي يَنْتَهِي إِلَى فَضَاءٍ يَقِفُ فِيهِ فَمَاءُ الْفَضَاءِ مَا لَمْ تَنْتَهِ إِلَيْهِ الْجَرْيَةُ، التي وقعت فيها النجاسة طاهر فإذا انْتَهَتِ الْجَرْيَةُ النَّجِسَةُ إِلَيْهِ صَارَ حُكْمُهُ كَحُكْمِ الْمَاءِ الرَّاكِدِ إِذَا قَلَتْهُ نَجَاسَةٌ فِي اعْتِبَارِ الْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ، فَإِنْ كَانَ قُلَّتَيْنِ كَانَ طَاهِرًا، فَلَوْ تَوَضَّأَ رَجُلٌ مِنْ تِلْكَ الْجَرْيَةِ قَبْلَ اتِّصَالِهَا بِمَاءِ الْفَضَاءِ كَانَ وُضُوءُهُ بَاطِلًا لِنَجَاسَةِ الْمَاءِ الَّذِي تَوَضَّأَ بِهِ، وَلَوْ تَوَضَّأَ مِنْ تِلْكَ الْجَرْيَةِ بَعْدَ اتِّصَالِهَا بِمَاءِ الْفَضَاءِ جَازَ وَإِنْ لَمْ تَغِبْ فِيهِ، وَتُخْلَطْ بِهِ؛ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي طَهَارَتِهِ بِالِاتِّصَالِ لَا بِالِاخْتِلَاطِ؛ أَلَا ترى لو أن قلتين مَاءٍ غَيْرَ رِطْلٍ وَقَعَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ فَهُوَ نَجِسٌ، وَلَوْ صُبَّ عَلَيْهِ رِطْلٌ مِنْ مَاءٍ صَارَ طَاهِرًا وَجَازَ اسْتِعْمَالُهُ، وَإِنِ اسْتَحَالَ أَنْ يَغِيبَ الْمَاءُ كُلُّهُ فِي الرِّطْلِ الَّذِي صُبَّ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَتِ النَّجَاسَةُ مُتَجَسِّدَةً كَمَيْتَةٍ وَقَعَتْ فِيهِ فَلَا يَخْلُو حَالُهَا مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ: إِمَّا أَنْ تَكُونَ جَارِيَةً مَعَهُ أَوْ وَاقِفَةً فِيهِ فَإِنْ كَانَتْ جَارِيَةً مَعَهُ فَحُكْمُهَا عَلَى مَا مَضَى مِنْ نَجَاسَةِ الْجَرْيَةِ الَّتِي هِيَ فِيهَا، وَطَهَارَةِ مَا قَبْلَهَا وَمَا بَعْدَهَا، فَإِذَا انْتَهَتِ النَّجَاسَةُ إِلَى مَاءِ الْفَضَاءِ صَارَتْ نَجِسَةً فِي مَاءٍ رَاكِدٍ، فَيَكُونُ

الصفحة 340