كتاب الحاوي الكبير (اسم الجزء: 1)

إِلَّا عَلَى الَّذِي أَمَّ فِي الْخَامِسَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا نَفَى الصَّوْتَ عَنْ نَفْسِهِ، وَعَنِ الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ ائْتَمَّ بِهِمْ مِنْ قَبْلُ فَقَدْ أَضَافَ الصَّوْتَ إِلَى الرَّابِعِ، وَنَسَبَهُ إِلَى الْحَدَثِ وَمَنِ ائْتَمَّ بِمَنِ اعْتَقَدَ حَدَثَهُ لَزِمَتْهُ الْإِعَادَةُ، فَأَمَّا الصَّلَاةُ الْخَامِسَةُ وَهِيَ الْعِشَاءُ فَالْإِعَادَةُ فِيهَا وَاجِبَةٌ عَلَى الْمَأْمُومِينَ الْأَرْبَعَةِ لِإِضَافَتِهِمُ الْحَدَثَ إِلَى الْخَامِسِ وَهُوَ الْإِمَامُ، وَلَا إِعَادَةَ عَلَى الْإِمَامِ فِيهَا، وَإِنَّمَا لَزِمَتْهُ إِعَادَةُ الرَّابِعَةِ الَّتِي كَانَ مَأْمُومًا فِيهَا.

(فَصْلٌ)
: وَإِذَا اسْتَعْمَلَ بِاجْتِهَادِهِ فِي الْإِنَاءَيْنِ مِنْ مَاءِ أَحَدِهِمَا ثُمَّ بَانَ لَهُ نَجَاسَةُ مَا اسْتَعْمَلَهُ، وَطَهَارَةُ مَا تَرَكَهُ لَا يَخْلُو حَالُهُ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ، إِمَّا أَنْ يَتَبَيَّنَ لَهُ ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ الْيَقِينِ، أَوْ مِنْ طَرِيقِ الِاجْتِهَادِ، فَإِنْ بَانَ لَهُ مِنْ طَرِيقِ الْيَقِينِ اجْتَنَبَ بَاقِيَ مَا اسْتَعْمَلَهُ، وَكَانَ نَجِسًا، وَاسْتَعْمَلَ الْإِنَاءَ الْآخَرَ، وَكَانَ طَاهِرًا وَلَزِمَتْهُ الْإِعَادَةُ لِمَا صَلَّى بِالْأَوَّلِ، وَغَسْلُ مَا أَصَابَهُ الْأَوَّلُ مِنْ بَدَنِهِ وَثِيَابِهِ وَإِنْ بَانَ لَهُ ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ الِاجْتِهَادِ، فَقَدْ قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ سُرَيْجٍ: يَجْتَنِبُ بَقِيَّةَ الْأَوَّلِ، وَيَسْتَعْمِلُ الثَّانِيَ عَلَى مَا اقْتَضَاهُ اجْتِهَادُهُ الثَّانِي وَلَا يُعِيدُ مَا صَلَّى بِالْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهَا صَلَاةٌ قُضِيَتْ بِالِاجْتِهَادِ فَلَا تُنْقَضُ بِاجْتِهَادٍ، وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَمَا عَلَيْهِ جُمْهُورُ أَصْحَابِهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَعْمِلَ بَقِيَّةَ الْأَوَّلِ، لِاعْتِقَادِهِ فِي الْحَالِ أَنَّهُ نَجِسٌ، وَمَنِ اعْتَقَدَ نَجَاسَةَ مَاءٍ حَرُمَ اسْتِعْمَالُهُ عَلَيْهِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَعْمِلَ شَيْئًا مِنَ الثَّانِي، بِخِلَافِ مَا قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ لِمَا نَفَذَ مِنَ الْحُكْمِ بِنَجَاسَتِهِ، وَالْحُكْمُ إِذَا نَفَذَ بِاجْتِهَادٍ لَمْ يُنْقَضْ بِمِثْلِهِ، وَلَوْ جَازَ أَنْ يَكُونَ الِاجْتِهَادُ الثَّانِي قَدْ نَقَضَ الْحُكْمَ الْأَوَّلَ لَلَزِمَهُ إِعَادَةُ مَا صَلَّى بِالْأَوَّلِ وَغَسْلُ مَا أَصَابَ مِنْ ثِيَابِهِ وَبَدَنِهِ، وَهُوَ لَا يَقُولُ هَذَا فَعَلِمَ ثُبُوتَ الْحُكْمِ الْأَوَّلِ، وَلَوْ لَزِمَهُ اسْتِعْمَالُ الثَّانِي وَتَرْكُ غَسْلِ مَا أَصَابَ الْأَوَّلُ مِنْ بَدَنِهِ لَكَانَ حَامِلًا لِنَجَاسَةِ يَقِينٍ وَذَلِكَ مَمْنُوعٌ مِنْهُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

الصفحة 349