كتاب الحاوي الكبير (اسم الجزء: 1)

(باب المسح على الخفين)
قال الشافعي: " أخبرنا الثقفي يعني عبد الوهاب عَنِ الْمُهَاجِرِ أَبِي مخلدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ أَبِيهِ أنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَرْخَصَ لِلْمُسَافِرِ ثَلَاثَةَ أيامٍ وَلَيَالِيهِنَّ وَلِلْمُقِيمِ يَوْمًا وَلَيْلَةً إِذَا تَطَهَّرَ وَلَبِسَ خُفَّيْهِ أَنْ يَمْسَحَ عَلَيْهِمَا ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ، وَالْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ فِي الْوُضُوءِ جَائِزٌ، وَهُوَ قَوْلُ الصَّحَابَةِ وَجُمْهُورِ النَّاسِ وَحُكِيَ عَنْ طَائِفَةٍ مِنَ الْإِمَامِيَّةِ وَالزَّيْدِيَّةِ وَعَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ فِي إِحْدَى الرِّوَايَاتِ عَنْهُ أَنَّهُمْ مَنَعُوا مِنَ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ اسْتِدْلَالًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِلَى المَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) {المائدة: 6) فَكَانَتْ هَذِهِ الْآيَةُ مُوجِبَةً لِتَطْهِيرِ الْأَعْضَاءِ الْأَرْبَعَةِ فَلَمْ يَجُزِ الْعُدُولُ عَنْهَا إِلَى حَالٍ دُونَهَا لِمَا فِيهِ مِنْ تَرْكِ الْأَمْرِ بِهَا، وَبِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ تَوَضَّأَ فَغَسَلَ وَجْهَهُ وَذِرَاعَيْهِ وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ، وَقَالَ: هَذَا وضوءٌ لَا يَقْبَلُ اللَهُ الصَّلَاةَ إِلَّا بِهِ ".
فَكَانَ هَذَا الْخَبَرُ مَانِعًا مِنْ قَبُولِ الصَّلَاةِ بِالْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمِثْلِ وُضُوئِهِ، وَقَالُوا وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا مَسْعُودٍ الْبَدْرِيَّ عَنِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ، فَقَالَ أَبُو مَسْعُودٍ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَمْسَحُ عَلَيْهِمَا، فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ كَانَ ذَلِكَ قبل سورة المائدة لا بَعْدَهَا، فَسَكَتَ أَبُو مَسْعُودٍ قَالُوا: فَكَانَ عَلِيٌّ يَرَى ذَلِكَ مَنْسُوخًا بِسُورَةِ الْمَائِدَةِ.
قَالُوا: وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا أَنْكَرَتْ ذَلِكَ، وَقَالَتْ: لَأَنْ يُقْطَعَ رِجْلَايَ بِالْمُوسَى أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ.

الصفحة 350