كتاب الحاوي الكبير (اسم الجزء: 1)
يَمْسَحُوا عَلَى الْعَصَائِبِ وَالتَّسَاخِينِ، وَالتَّسَاخِينُ: الْخِفَافُ، وَالْعَصَائِبُ الْعَمَائِمُ، وَقَالَ الْفَرَزْدَقُ:
(وركبٍ كَأَنَّ الرِّيحَ تَطْلُبُ منهم ... لهاترةٍ مِنْ جَذْبِهَا لِلْعَصَائِبِ)
يَعْنِي: الْعَمَائِمَ.
وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَعَثَ جَيْشًا وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَمْسَحُوا عَلَى الْمَشَاوِذِ، قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ الْمَشَاوِذُ: الْعَمَائِمُ، وَأَنْشَدَ قَوْلَ الْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ:
(إِذَا مَا شَدَدْتُ الْرأْسَ مِنِّي بِمِشْوَذٍ ... فَقَصْدُكَ مِنِّي تَغْلِبُ ابْنَةُ وائلٍ)
ودليلنا قوله تعالى: {فَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ} فَأَوْجَبَ مَسْحَ الرَّأْسِ بِغَيْرِ حَائِلٍ، وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حِينَ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ: " هَذَا وضوءٌ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ الصَّلَاةَ إِلَّا بِهِ ". وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي مَعْقِلٍ عن أنس ابن مَالِكٍ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَتَوَضَّأُ وَعَلَيْهِ عمامةٌ فَصَلَّى بِهِ فَأَدْخَلَ يَدَهُ من تحت العمامة فمسح مقدم رأسه، ولم يَنْقُضِ الْعِمَامَةَ فَلَوْ جَازَ الِاقْتِصَارُ عَلَى مَسْحِ الْعِمَامَةِ لَمَا تَكَلَّفَ هَذَا، وَرَوَى ابْنُ سِيرِينَ عَنْ عَمْرِو بْنِ وَهْبٍ الثَّقَفِيِّ عَنِ الْمُغِيرَةِ بن شعبة أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - تَوَضَّأَ فَمَسَحَ بِنَاصِيَتِهِ وَعِمَامَتِهِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الِاقْتِصَارَ عَلَى مَسْحِ الْعِمَامَةِ لَا يُجْزِئُ، وَلِأَنَّ الْمَسْحَ عَلَى الرَّأْسِ مُمْكِنٌ، مَعَ بَقَاءِ الْعِمَامَةِ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى الْمَسْحِ عَلَيْهَا لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ وَغَسْلُ الرِّجْلَيْنِ غَيْرُ مُمْكِنٍ مَعَ بَقَاءِ الْخُفَّيْنِ، فَجَازَ الْمَسْحُ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ دَاعِيَةٌ إِلَيْهِ، وَلِأَنَّ الْعُدُولَ عَنِ الْغَسْلِ إِلَى الْمَسْحِ رُخْصَةٌ، وَالْعُضْوُ الْوَاحِدُ لَا يَجْتَمِعُ فِيهِ رُخْصَتَانِ.
فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ الْحَدِيثَيْنِ فَمِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ أَرَادَ عَصَائِبَ الْجِرَاحِ، وَلِذَلِكَ خَاطَبَ أَهْلَ السَّرَايَا.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ عَنَى صِغَارَ الْعَمَائِمِ الَّتِي يَصِلُ بِالْمَسْحِ عَلَيْهَا إِلَى مَسْحِ الرَّأْسِ كَمَا رَوَاهُ الْمُغِيرَةُ، وَقَدْ قَالَ بَعْضُ أَهْلِ اللُّغَةِ إِنَّ مَا ذَكَرَ الْفَرَزْدَقُ مِنَ الْعَصَائِبِ فِي شِعْرِهِ فَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ الْأَلْوِيَةَ والْمَشَاوِذَ: هِيَ عَصَائِبُ تُلَفُّ عَلَى الرَّأْسِ فِي الحروب علامة والله أعلم.
(مسألة)
: قال الشافعي رضي الله عنه: " وَإِذَا تَطَهَّرَ الرَّجُلُ الْمُقِيمُ بغسلٍ أَوْ وضوءٍ ثُمَّ أَدْخَلَ رِجْلَيْهِ الْخُفَّيْنِ وَهُمَا طَاهَرَتَانِ ثُمَّ أحدث فإنه يسمح عَلَيْهِمَا مِنْ وَقْتِ مَا أَحْدَثَ يَوْمًا
الصفحة 356
455