كتاب الحاوي الكبير (اسم الجزء: 1)

وَلَيْلَةً وَذَلِكَ إِلَى الْوَقْتِ الَّذِي أَحْدَثَ فِيهِ فَإِنْ كَانَ مُسَافِرًا مَسَحَ ثَلَاثَةَ أيامٍ وَلَيَالِيهِنَّ إِلَى الْوَقْتِ الَذِي أَحْدَثَ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ إِذَا ثَبَتَ تَحْدِيدُ الْمَسْحِ لِلْمُقِيمِ بِيَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَلِلْمُسَافِرِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهِنَّ، فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي أَوَّلِ زَمَانِهِ فَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ أَوَّلُ زَمَانِهِ مِنْ وَقْتِ لِبَاسِهِ الْخُفَّيْنِ، وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ أَوَّلُ زَمَانِهِ مِنْ وَقْتِ مَسْحِهِ عَلَى الْخُفَّيْنِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وأبو حنيفة أَوَّلُ زَمَانِهِ مَنْ وَقْتِ حَدَثِهِ بَعْدَ لِبَاسِ الْخُفَّيْنِ.
وَاسْتَدَلَّ مَنِ اعْتَبَرَ أَوَّلَ زَمَانِ حَدَثِهِ مِنْ وَقْتِ اللِّبَاسِ بِحَدِيثِ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَأْمُرُنَا إِذَا كُنَّا مُسَافِرِينَ أَوْ سَفَرًا أَنْ لَا نَنْزِعَ خِفَافَنَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهِنَّ، فَجَعَلَ الثَّلَاثَةَ مُدَّةَ اللِّبَاسِ.
وَاسْتَدَلَّ مَنِ اعْتَبَرَ أَوَّلَ زَمَانِهِ مِنْ وَقْتِ الْمَسْحِ بِحَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: يَمْسَحُ الْمُقِيمُ يَوْمًا وَلَيْلَةً وَالْمُسَافِرُ ثَلَاثَةَ أيامٍ وَلَيَالِيهِنَّ فَجَعَلَ ذَلِكَ مُدَّةَ الْمَسْحِ.
وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ أَوَّلَ زَمَانِهِ مِنْ وَقْتِ الْحَدَثِ إِنَّكَ تَجْعَلُ مَا اسْتَدَلَّ بِهِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ حُجَّةً عَلَى الْآخَرِ، ثُمَّ تَسْتَدِلُّ بِالْمَعْنَى الدَّالِّ عَلَيْهِمَا، وَهُوَ أَنَّ كُلَّ عِبَادَةٍ اعْتُبِرَ فِيهَا الْوَقْتُ فَإِنَّ ابْتِدَاءَ وَقْتِهَا مَحْسُوبٌ مِنَ الْوَقْتِ الَّذِي يُمْكِنُ فِيهِ فِعْلُهَا وَصِفَتُهَا مُعْتَبَرَةً بِوَقْتِ أَدَائِهَا كَالصَّلَاةِ إِنْ كَانَتْ ظُهْرًا فَأَوَّلُ وَقْتِهَا زَوَالُ الشَّمْسِ، وَصِفَتُهَا فِي الْقَصْرِ وَالْإِتْمَامِ بِوَقْتِ الْأَدَاءِ وَالْفِعْلِ، فَإِنْ كَانَ وَقْتَ فِعْلِهَا وَأَدَائِهَا مُسَافِرًا قَصَرَ، وَإِنْ كَانَ مُقِيمًا أَتَمَّ كَذَلِكَ الْمَسْحُ أَوَّلَ زَمَانِهِ مِنْ وَقْتِ الْحَدَثِ؛ لِأَنَّ أَوَّلَ وَقْتِ الْفِعْلِ وَصِفَتَهُ فِي مَسْحِ الْمُقِيمِ وَالْمُسَافِرِ مُعْتَبَرٌ بِوَقْتِ الْمَسْحِ.

(فَصْلٌ)
: فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ زَمَانَ الْمَسْحِ مِنْ وَقْتِ الْحَدَثِ، فَإِذَا أَحْدَثَ بَعْدَ لِبَاسِ خُفَّيْهِ عَلَى طَهَارَةٍ مَسَحَ مِنْ وَقْتِ حَدَثِهِ إِلَى مِثْلِهِ مِنَ الْغَدِ إِنْ كَانَ مُقِيمًا، وَإِلَى مِثْلِهِ مِنَ الْيَوْمِ الرَّابِعِ إِنْ كَانَ مُسَافِرًا، وَأَكْثَرُ مَا يُمْكِنُ الْمُقِيمَ أَنْ يُصَلِّيَ بِالْمَسْحِ سِتُّ صَلَوَاتٍ مُؤَقَّتَاتٍ إِلَّا أَنْ يَجْمَعَ فَيُصَلِّيَ سَبْعًا مِثَالُهُ: أَنْ يُحْدِثَ بَعْدَ الزَّوَالِ، وَقَدْ مَضَى بَعْضُ الْوَقْتِ فَيَمْسَحُ وَيُصَلِّي الظُّهْرَ، ثُمَّ الْعَصْرَ ثُمَّ الْمَغْرِبَ ثُمَّ الْعِشَاءَ ثُمَّ الصُّبْحَ ثُمَّ الظُّهْرَ، فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا ثُمَّ الْعَصْرَ يَجْمَعُهَا إِلَيْهَا، وَأَكْثَرُ مَا يُمْكِنُ الْمُسَافِرَ أَنْ يُصَلِّيَ بِالْمَسْحِ سِتَّ عَشْرَةَ صَلَاةً، إِلَّا أَنْ يَجْمَعَ فَيُصَلِّيَ سَبْعَ عَشْرَةَ مِنْهُنَّ عَشْرٌ فِي يَوْمَيْنِ، وَسَبْعٌ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ، عَلَى مَا وَصَفْنَا مِنْ جَمْعِهِ، وَيَجُوزُ فِي زَمَانِ الْمَسْحِ أَنْ يُصَلِّيَ مَا شَاءَ مِنَ الْفَوَائِتِ وَالنَّوَافِلِ؛ لِأَنَّ وَقْتَ الْمَسْحِ مُقَدَّرٌ بِالزَّمَانِ لَا بِالصَّلَوَاتِ، فَلَوْ شَكَّ فِي وَقْتِ حَدَثِهِ هَلْ كَانَ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ أَوْ فِي وَقْتِ الْعَصْرِ؟ حَسِبَهُ مِنْ وَقْتِ الظُّهْرِ احْتِيَاطًا، وَقَالَ الْمُزَنِيُّ يَحْتَسِبُ من وقت العصر، لأنه متيقن حدوث حدثه،

الصفحة 357