كتاب الحاوي الكبير (اسم الجزء: 1)

إِلَّا غَسْلُ مَا كَانَ بَدَلًا عَنْهُ، كَالتَّيَمُّمِ لَمَّا كَانَ بَدَلًا مِنْ غَسْلِ الْأَعْضَاءِ الْأَرْبَعَةِ كَانَ انْتِقَاضُهُ يُوجِبُ غَسْلَ الْأَعْضَاءِ الْأَرْبَعَةِ، وَمَسْحِ الْخُفَّيْنِ لَمَّا كَانَ بَدَلًا مِنْ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ كَانَ انْتِقَاضُهُ يُوجِبُ غَسْلَ الرِّجْلَيْنِ.

(فَصْلٌ)
: فَإِذَا تَقَرَّرَ مَا يُوجِبُهُ الْقَوْلَانِ، فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي الْأَصْلِ الَّذِي بُنِيَ عَلَيْهِ. فَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ وَأَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَجُمْهُورُ الْبَغْدَادِيِّينَ: هُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى اخْتِلَافِ قَوْلَيْهِ: فِي تَفْرِيقِ الْوُضُوءِ، وَقَالَ أَصْحَابُنَا الْبَصْرِيُّونَ: بَلْ هُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى اخْتِلَافِ قَوْلِهِ فِي طَهَارَةِ بَعْضِ الْأَعْضَاءِ إِذَا انْتَقَضَتْ هَلْ يَنْتَقِضُ بِهَا طَهَارَةُ جَمِيعِ الْأَعْضَاءِ أَمْ لَا؟ لِأَنَّ طُهْرَ الْقَدَمَيْنِ انْتَقَضَ بِظُهُورِهِمَا.
(فَصْلٌ)
: إِذَا أَخْرَجَ رِجْلَهُ مِنْ قَدَمِ الْخُفِّ إِلَى سَاقِهِ، فَقَدْ رَوَى الرَّبِيعُ عَنِ الشَّافِعِيِّ صِحَّةَ طَهَارَتِهِ، وَبِهِ قَالَ أبو حامد الاسفرايني، اسْتِدْلَالًا بِأَنَّ قَدَمَيْهِ لَمْ تَظْهَرْ فَلَمْ يَنْتَقِضْ طُهْرُهُمَا، كَمَا لَوْ كَانَ مُسْتَقَرُّهُ فِي مَوْضِعِ الْقَدَمِ مِنَ الْخُفِّ، وَقَالَ أَصْحَابُنَا الْبَصْرِيُّونَ: قَدِ انْتَقَضَ طُهْرُ قَدَمِهِ؛ لِزَوَالِهَا عَنْ مَحَلِّ الْمَسْحِ كَمَا لَوْ ظَهَرَتْ، وَلِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ حَدَثُهُ بَعْدَ إِدْخَالِ قَدَمِهِ فِي سَاقِ الْخُفِّ، وَقَبْلَ اسْتِقْرَارِهِ فِي مَحَلِّ الْقَدَمِ كَمَنْ أَحْدَثَ وَهُوَ طَاهِرُ الرِّجْلَيْنِ، وَجَبَ أَنْ يَكُونَ إِخْرَاجُهُمَا إِلَى ساق الخف كظهور الرجلين.
(فصل)
: إذا لبس المتيمم ثُمَّ وَجَدَ الْمَاءَ لَمْ يَجُزْ لَهُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ لِبُطْلَانِ تَيَمُّمِهِ بِوُجُودِ الْمَاءِ، فَصَارَ كَمَنْ لَبِسَ خُفًّا عَلَى حَدَثٍ.
(فَصْلٌ)
: إِذَا لَبِسَتِ الْمُسْتَحَاضَةُ بَعْدَ وُضُوئِهَا خُفًّا ثُمَّ أَحْدَثَتْ قَبْلَ أَنْ صَلَّتْ بِوُضُوئِهَا شَيْئًا جَازَ، إِذَا تَوَضَّأَتْ أَنْ تَمْسَحَ عَلَى خُفِّهَا لِفَرْضٍ وَاحِدٍ وَمَا شَاءَتْ مِنَ النَّوَافِلِ، وَلَوْ كَانَتْ قَدْ صَلَّتْ قُبَلَ حَدَثِهَا فَرْضًا وَاحِدًا لَمْ يَجُزْ إِذَا أَحْدَثَتْ أَنْ تَمْسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ لِصَلَاةِ الْفَرْضِ، وَجَازَ أَنْ تَمْسَحَ لِصَلَاةِ التَّطَوُّعِ، وَجَمَعَ أبو حنيفة بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ وَأَجَازَ الْمَسْحَ فِيهِمَا عَلَى الْخُفَّيْنِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ وُضُوءَ الْمُسْتَحَاضَةِ يَرْفَعُ حَدَثَهَا لِفَرْضٍ وَاحِدٍ، وَلِسَائِرِ التَّطَوُّعِ، فَإِذَا أَحْدَثَتْ قَبْلَ صَلَاةِ الْفَرْضِ صَارَتْ كَلَابِسِ خُفٍّ عَلَى طَهَارَةٍ فَجَازَ لَهَا الْمَسْحُ وَإِذَا أَحْدَثَتْ بَعْدَ صَلَاةِ الْفَرْضِ كَانَتْ كَلَابِسِ خُفٍّ عَلَى حَدَثٍ فَلَمْ يَجُزْ لَهَا الْمَسْحُ.
(فَصْلٌ)
: إِذَا ارْتَفَعَ دَمُ الْمُسْتَحَاضَةِ قَبْلَ صَلَاةِ الْفَرْضِ لَمْ يَجُزْ لَهَا الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ؛ لِأَنَّ انْقِطَاعَ دَمِهَا يَرُدُّهَا إِلَى الْحَدَثِ الْأَوَّلِ فَصَارَتْ كَلَابِسِ خُفٍّ عَلَى حَدَثٍ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

الصفحة 368