كتاب الحاوي الكبير (اسم الجزء: 1)
(قومٌ إِذَا حَارَبُوا شَدُّوا مَآزِرَهُمْ ... دُونَ النِّسَاءِ ولو باتت بِأَطْهَارِ)
وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْفَيَّاضِ: إِنَّهُ إِنْ كَانَ يَضْبُطُ نَفْسَهُ عَنْ إِصَابَةِ الْفَرْجِ إِمَّا لِضَعْفِ شَهْوَتِهِ أَوْ لِقُوَّةٍ تُخْرِجُهُ جَازَ أَنْ يَسْتَمْتِعَ بِمَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ، وَإِنْ لَمْ يَضْبُطْ نَفْسَهُ عَنْ ذَلِكَ لِقُوَّةِ شَهْوَتِهِ وَقِلَّةٍ تُخْرِجُهُ لَمْ يَجُزْ فَقَدْ رَوَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْأَسْوَدِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يأمرنا في فَوْرَ حَيْضَتِنَا أَنْ نَتَّزِرَ ثُمَّ يُبَاشِرُنَا وَأَيُّكُمْ يَمْلِكُ إِرْبَهُ كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَمْلِكُ إِرْبَهُ.
(فَصْلٌ)
: فَإِذَا تَقَرَّرَ مَا وَصَفْنَا مِنْ هَذِهِ الْأَحْكَامِ السَّبْعَةِ فَهِيَ مُتَعَلِّقَةٌ بِكُلِّ حَيْضٍ وُجِدَ فِي كُلِّ امْرَأَةٍ وَقَدْ يَتَعَلَّقُ به حكمان يختصان ببعض النِّسَاءِ وَهُمَا: الْبُلُوغُ وَالْعِدَّةُ بِالْأَقْرَاءِ فَصَارَتْ مَعَ هَذَيْنِ تِسْعَةَ أَحْكَامٍ فَإِنْ خَالَفَتِ الْمَرْأَةُ فِي حَالِ حَيْضِهَا مِنْ هَذِهِ الْأَحْكَامِ فَهِيَ عَاصِيَةٌ بِارْتِكَابِهَا وَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا فِيمَا سِوَى الْوَطْءِ، وَأَمَّا الْوَطْءُ فَإِنْ كَانَ فِيمَا سِوَى الْفَرْجِ مِمَّا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي تَحْرِيمِهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا فِيهِ وَلَا عَلَى الْوَاطِئِ، وَإِنْ كَانَ فِي الْفَرْجِ فَقَدْ رَوَى الشَّافِعِيُّ عَنْ سفيان بن أبي أمية عن مقسم عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ يَرْفَعُهُ قَالَ: مَنْ أَتَى امْرَأَةً وَهِيَ حائضٌ إِنْ كَانَ الدَّمُ غَبِيطًا تَصَدَّقَ بدينارٍ وَإِنْ كَانَ أَحْمَرَ تَصَدَّقَ بِنِصْفِ دينارٍ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: إِنْ صَحَّ هَذَا الْحَدِيثُ قُلْتُ به لأنه كان واقعاً فِيهِ فَكَانَ أَبُو حَامِدٍ الْإِسْفَرَايِينِيُّ وَجُمْهُورُ الْبَغْدَادِيِّينَ يجعلونه قولاً في القديم ومذهبنا وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَكَانَ أَبُو حَامِدٍ الْمَرْوَزِيُّ وَجُمْهُورُ الْبَصْرِيِّينَ لَا يُخْرِجُونَهُ فِي الْقَدِيمِ قَوْلًا وَلَا يَجْعَلُونَهُ مَذْهَبًا؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْحُكْمَ فِيهِ مَوْقُوفًا عَلَى صِحَّةِ الْحَدِيثِ، وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ وَكَانَ أَبُو الْعَبَّاسِ يَقُولُ: لَوْ صح الحديث لكان حَمْلُهُ عَلَى الْقَدِيمِ اسْتِحْبَابًا لَا وَاجِبًا؛ لِاحْتِمَالِ الْمُتَعَلِّقِ بِهِ.
وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ فِي الْجَدِيدِ وَمَا صَحَّ فِي سَائِرِ كُتُبِهِ: أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَى الْوَاطِئِ فِي الْحَيْضِ وَلَا الْمَوْطُوءَةِ الْحَائِضِ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَيْسَ فِي الْمَالِ حَقٌّ سِوَى الزَّكَاةِ، وَلِأَنَّ الْوَطْءَ إِذَا حُرِّمَ لِأَجْلِ الْأَذَى لَمْ يُوجِبِ الْكَفَّارَةَ كَالْوَطْءِ فِي الدُّبُرِ وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِأَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: رَأَيْتُ فِي مَنَامِي كَأَنِّي أَبُولُ دَمًا قَالَ: يُوشِكُ أَنْ تَطَأَ امْرَأَتَكَ وَهِيَ حائضٌ قَالَ نَعَمْ قَالَ: اسْتَغْفِرِ اللَّهَ وَلَا تَعُدْ وَلَمْ يُوجِبْ عَلَيْهِ كَفَّارَةً.
الصفحة 385
455