كتاب الحاوي الكبير (اسم الجزء: 1)

أما وجود شاهد فيه وصفة محلة وهو السواد أو مصادمة أيام العادة، فلما تجاوزت أيام الصفة بتغيره إلى الصفرة والكدرة، وتجاوزت أَيَّامَ الْعَادَةِ عُلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ بِحَيْضٍ، لِفَقْدِ الْعِلْمِ الدَّالِّ عَلَيْهِ.
وَالدَّلِيلُ عَلَى اسْتِوَاءِ حُكْمٍ فِي أَيَّامِ الْعَادَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ أَيَّامِ الْحَيْضِ بِرِوَايَةِ عَلْقَمَةَ بْنِ أَبِي عَلْقَمَةَ أَنَّ النِّسَاءَ كُنَّ يُرْسِلْنَ إِلَى عَائِشَةَ بِالدَّرَجَةِ فِيهَا شَيْءٌ مِنَ الصُّفْرَةِ، فَتَقُولُ لَهُنَّ: لَا تُصَلِّينَ حَتَّى تَرَيْنَ الْقَصَّةَ الْبَيْضَاءَ، فَدَلَّ إِطْلَاقُهَا عَلَى اسْتِوَاءِ الحكم في الحالين، ولأن التمييز وَالْعَادَةِ مَعْنَيَانِ يُعْتَبَرُ بِهِمَا الْحَيْضُ عِنْدَ إِشْكَالِهِ وَمُجَاوَزَةِ أَيَّامِهِ، ثُمَّ كَانَتِ الْعَادَةُ غَيْرَ مُعْتَبَرَةٍ فِي الْحَيْضِ إِذَا لَمْ تُجَاوِزْ أَكْثَرَ أَيَّامِهِ، وَجَبَ أَنْ يَكُونَ تَمْيِيزُ الصُّفْرَةِ وَالْكُدْرَةِ غَيْرَ مُعْتَبَرٍ فِيهِ مَا لَمْ يُجَاوِزْ أَكْثَرَ أَيَّامِهِ، وَلِأَنَّ الْمَنِيَّ هُوَ الثَّخِينُ الْأَبْيَضُ وَقَدْ يَتَغَيَّرُ إِلَى الصُّفْرَةِ وَالرِّقَّةِ لِعِلَّةٍ تَحْدُثُ، ثُمَّ لَا يَخْتَلِفُ حُكْمُهُ بِاخْتِلَافِ لَوْنِهِ؛ كَذَلِكَ مَا يُرْخِيهِ الرحمن مِنَ الدَّمِ لَا يَخْتَلِفُ حُكْمُهُ فِي أَيَّامِهِ بِاخْتِلَافِ لَوْنِهِ فَأَمَّا حَدِيثُ أُمِّ عَطِيَّةَ فَوَارِدٌ فِيمَا وُجِدَ فِي الطُّهْرِ، وَالطُّهْرُ مَا تَجَاوَزَ أَيَّامَ الْحَيْضِ، وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُ بِأَنَّ اعْتِبَارَ الْحَيْضِ بِمَعْنَيَيْنِ فَيُقَالُ: وَبِمَعْنَى ثَالِثٍ، وَهُوَ وُجُودُهُ فِي زمان يجوز أن يكون حيضاً.

(فصل)
: فعلى هَذَيْنِ الْمَذْهَبَيْنِ تَكُونُ فُرُوعُ هَذَا الْفَصْلِ فَإِذَا كانت عادة امرأة أن ترى من أو لكل شَهْرٍ خَمْسَةَ أَيَّامٍ دَمًا أَسْوَدَ، وَبَاقِيَ شَهْرِهَا طُهْرًا، فَرَأَتْ فِي هَذَا الشَّهْرِ خَمْسَةَ أَيَّامٍ دَمًا أَسْوَدَ وَخَمْسَةَ أَيَّامٍ دَمًا أَصْفَرَ، وَبَاقِيَ الشَّهْرِ طُهْرًا فَعَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَمَا عَلَيْهِ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا أَنَّ حَيْضَهَا عَشَرَةُ أَيَّامٍ وَهُوَ زَمَانُ الدَّمَيْنِ مَعًا لِوُجُودِهِ فِي زَمَانٍ يَجُوزُ أن يكون حيضا، وعلى مذهب أبي سعيد الْإِصْطَخْرِيُّ حَيْضُهَا الْخَمْسَةُ السَّوَادُ وَالْخَمْسَةُ الصُّفْرَةُ اسْتِحَاضَةٌ لمفارقتها أيام العادة.
(فرع)
: فلو بدأت وعادتها الْخَمْسَةَ السَّوَادَ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ خَمْسَةَ أَيَّامٍ دَمًا أَسْوَدَ، وَخَمْسَةَ أَيَّامٍ دَمًا أَحْمَرَ، وَخَمْسَةَ أَيَّامٍ دَمًا أَصْفَرَ، كَانَ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ كل ذلك حيضا، وَعَلَى مَذْهَبِ أَبِي سَعِيدٍ حَيْضُهَا عَشَرَةُ أَيَّامٍ الْخَمْسَةُ السَّوَادُ، وَالْخَمْسَةُ الْحُمْرَةُ، لِأَنَّهُ يَجْعَلُهَا كَالسَّوَادِ بِخِلَافِ الصُّفْرَةِ، وَيَجْعَلُ الْخَمْسَةَ الصُّفْرَةَ اسْتِحَاضَةٌ لِمُفَارَقَتِهَا أَيَّامَ الْعَادَةِ.
(فَرْعٌ)
: فَلَوْ كَانَتْ عَادَتُهَا الْخَمْسَةُ السَّوَادُ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ، وَبَاقِيهِ طُهْرًا، فَرَأَتْ خَمْسَةَ أَيَّامٍ دَمًا أَسْوَدَ، ثُمَّ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا طُهْرًا ثُمَّ خَمْسَةَ أَيَّامٍ دَمًا أَصْفَرَ، كَانَتِ الْخَمْسَةُ الصُّفْرَةُ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ حَيْضًا؛ لِوُجُودِهَا فِي زَمَانٍ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حيضاً؛ على مَذْهَبِ أَبِي سَعِيدٍ اسْتِحَاضَةٌ لِمُفَارَقَتِهَا أَيَّامَ الْعَادَةِ.
(فَرْعٌ)
: فَلَوْ كَانَتْ عَادَتُهَا عَشَرَةَ أَيَّامٍ دَمًا أَسْوَدَ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ فَرَأَتْ خَمْسَةَ أَيَّامٍ مِنْ أَوَّلِهِ دَمًا

الصفحة 400