كتاب الحاوي الكبير (اسم الجزء: 1)

وَضَعَتْهُ حُكْمَ الْوَلَدِ فِيمَا سِوَى النِّفَاسِ، فَكَذَلِكَ فِي النِّفَاسِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ خَلْقٌ مُصَوَّرٌ تَقْضِي بِهِ الْعِدَّةَ وَتَصِيرُ بِهِ أُمَّ وَلَدٍ، فَلَا يَخْلُو مِنْ أَنْ تَرَى مَعَهُ دَمًا أَمْ لَا، فَإِنْ لَمْ تَرَ مَعَهُ دَمًا، وَقَدْ يُوجَدُ هَذَا كَثِيرًا فِي نِسَاءِ الْأَكْرَادِ فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي وُجُوبِ الْغُسْلِ عَلَيْهَا عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ مَحْكِيٌّ عَنْ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ لَا غُسْلَ عَلَيْهَا، وَبِهِ قَالَ أبو حنيفة، لِأَنَّ وُجُوبَ الغسل متعلق بانقطاع الدم، فإن عُدِمَ الدَّمُ لَمْ يَجِبِ الْغُسْلُ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ سُرَيْجٍ، أَنَّ الْغُسْلَ عَلَيْهَا وَاجِبٌ بِهِ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ مَخْلُوقٌ مِنْ مَائِهَا وَمَاءِ الزَّوْجِ، فَإِذَا وَلَدَتْ فَكَأَنَّمَا قَدْ أَنْزَلَتْ، فَعَلَى هَذَا هَلْ تَغْتَسِلُ فِي حَالِ وَضْعِهَا أَوْ بَعْدَ مُضِيِّ سَاعَةٍ مِنْهُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ مِنِ اخْتِلَافِهِمْ فِي أَقَلِّ النِّفَاسِ هَلْ هُوَ مَحْدُودٌ بِسَاعَةٍ أم لا؟ على هَذَا لَوْ كَانَتْ وِلَادَتُهَا فِي نَهَارِ رَمَضَانَ فَبُطْلَانُ صَوْمِهَا عَلَى الْوَجْهَيْنِ، إِنْ قِيلَ لَا غُسْلَ عَلَيْهَا، فَهِيَ عَلَى صَوْمِهَا وَإِنْ قِيلَ بِوُجُوبِ الْغُسْلِ عَلَيْهَا بَطُلَ صَوْمُهَا.

(فَصْلٌ)
: وَإِنْ رَأَتْ فِي وِلَادَتِهَا دَمًا فَعَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَبْتَدِئَ بِهَا مَعَ الْوِلَادَةِ.
وَالثَّانِي: أَنْ يَبْتَدِئَ بِهَا قَبْلَ الْوِلَادَةِ، فَإِنْ بَدَأَ بِهَا الدَّمُ قَبْلَ الْوِلَادَةِ فَلَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَتَّصِلِ بِدَمِ الْوِلَادَةِ أَمْ لَا، فَإِنْ لَمْ يَتَّصِلْ إِلَى مَا بَعْدَ الْوِلَادَةِ، وَانْقَطَعَ قَبْلَهَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الدمُ نِفَاسًا، لَا يَخْتَلِفُ أَصْحَابُنَا فِيهِ، كَانَ كَالَّذِي تَرَاهُ الْمَرْأَةُ مِنَ الدَّمِ عَلَى حَمْلِهَا هَلْ يَكُونُ حَيْضًا أَمْ لَا؟ عَلَى قَوْلَيْنِ.
أَحَدُهُمَا: قَالَهُ فِي الْقَدِيمِ وَهُوَ مَذْهَبُ أبي حنيفة يَكُونُ دَمَ فَسَادٍ، فلا يَكُونُ حَيْضًا.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: قَالَهُ فِي الْجَدِيدِ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ يَكُونُ حَيْضًا وَسَنَذْكُرُ تَوْجِيهَ الْقَوْلَيْنِ فِي مَوْضِعِهِ مِنْ كِتَابِ الْعَدَدِ، وَإِنِ اتَّصَلَ الدَّمُ بِمَا بَعْدَ الْوِلَادَةِ فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الطِّيِّبِ بْنِ سَلَمَةَ أَنَّهُ دَمُ نِفَاسٍ، وَإِنَّ أَوَّلَ نِفَاسِهَا مِنْ حِينِ بَدَأَ بِهَا الدَّمُ قَبْلَ الْوِلَادَةِ لِاتِّصَالِهِ بِهَا وَكَوْنِهِ أَحَدَ أَسْبَابِهَا.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ أَنَّ مَا تَقَدَّمَ الْوِلَادَةَ لَيْسَ بِنِفَاسٍ، وَإِنَّ أَوَّلَ النِّفَاسِ مَا بَعْدَ الْوِلَادَةِ؛ لِأَنَّ دَمَ النِّفَاسِ مَا بَقِيَ مِنْ غِذَاءِ الْمَوْلُودِ مِنَ الْحَيْضِ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَتَقَدَّمَ عَلَيْهِ، فَعَلَى هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ، لَوْ وَلَدَتْ وَلَدَيْنِ وَرَأَتْ مَعَ الْأَوَّلِ مِنْهُمَا دَمًا، وَاتَّصَلَ

الصفحة 438