 
	    كتاب الحاوي الكبير (اسم الجزء: 4)
مسألة: قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَا يُغَطِّي رَأْسَهُ، وَلَهُ أَنْ يُغَطِّيَ وَجْهَهُ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: فَعَلَيْهِ كَشْفُ رَأْسِهِ إِجْمَاعًا، وَلَيْسَ عَلَيْهِ كَشْفُ وَجْهِهِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، وَهُوَ فِي الصَّحَابَةِ قَوْلُ عُثْمَانَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَجَابِرٍ، وَابْنِ الزُّبَيْرِ، وَقَالَ مَالِكٌ: وَيُحْكَى عَنْ أبي حنيفة أَنَّ عَلَى الْمُحْرِمِ كَشْفَ وَجْهِهِ، كَمَا عَلَيْهِ كَشْفُ رَأْسِهِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ تَعَلُّقًا بِرِوَايَةِ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ فِي مُحْرِمٍ خَرَّ مِنْ رَاحِلَتِهِ، فَوُقِصَ فَمَاتَ: " لَا تُخْمِرُوا رَأْسَهُ، وَلَا وَجْهَهُ ". وَلِأَنَّهُ شَخْصٌ مُحْرِمٌ، فَوَجَبَ أَنْ يَلْزَمَهُ كَشْفُ وَجْهِهِ، كَالْمَرْأَةِ، وِالدَّلَالَةُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبْنَا إِلَيْهِ، رِوَايَةُ أَبِي الشَّعْثَاءِ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قال: في محرم خر من راحلته، فوقصته فَمَاتَ: " لَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ، وَخَمِّرُوا وَجْهَهُ ". وَلِأَنَّهُ إِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ، لِأَنَّهُ مَرْوِيٌّ عَمَّنْ ذَكَرْنَا مِنْهُمْ، وَلَيْسَ يُعْرَفُ لَهُمْ مُخَالِفٌ، وَمَا حُكِيَ عَنِ ابن عمر، فليس مخالفاً لَهُمْ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُ أَنَّ مَا فَوْقَ الذَّقْنِ مِنَ الرَّأْسِ فَهُوَ إِنَّمَا أَوْجَبَ كَشْفَهُ لِوُجُوبِ كَشْفِ الرَّأْسِ؛ وَلِأَنَّهُ شَخْصٌ مُحْرِمٌ، فَوَجَبَ أَنْ لا يلزمه كشفه عُضْوَيْنِ كَالْمَرْأَةِ.
فَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُمْ بِالْخَبَرِ، فَخَبَرُنَا أَوْلَى لِزِيَادَتِهِ، ثُمَّ يَكُونُ مُسْتَعْمَلًا فِي كَشْفِ مَا لَا يُمْكِنُ كَشْفُ الرَّأْسِ إِلَّا بِهِ.
وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى الْمَرْأَةِ، فَالْمَعْنَى فِيهَا: أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهَا كَشْفُ غَيْرِ الْوَجْهِ، وَجَبَ عَلَيْهَا كَشْفُ الْوَجْهِ. وَالرَّجُلُ لَمَّا وَجَبَ عَلَيْهِ كَشْفُ غَيْرِ الْوَجْهِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ كَشْفُ الْوَجْهِ.
فَصْلٌ
: فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ عَلَيْهِ كَشْفَ رَأْسِهِ دُونَ وَجْهِهِ، فَإِنْ غَطَّى رَأْسَهُ أَوْ شَيْئًا مِنْهُ، وَإِنْ قَلَّ بِمَخِيطٍ، وَغَيْرِ مَخِيطٍ، فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ، وَلَكِنْ لَوْ غَطَّى رَأْسَهُ بِكَفِّهِ، لَمْ يَفْتَدِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ مُغَطِّيًا لِرَأْسِهِ بِنَفْسِهِ، وَلَوْ غَطَّى رَأْسَهُ بِكَفِّ غَيْرِهِ، كَانَ فِي وُجُوبِ الْفِدْيَةِ عَلَيْهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: لَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ مَا تَجِبُ بِهِ الْفِدْيَةُ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَا يَكُونُ لِنَفْسِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ، كَالثَّوْبِ، فَلَمَّا لَمْ تَجِبِ الْفِدْيَةُ فِي تَغْطِيَتِهِ بِكَفِّ نَفْسِهِ، فَكَذَلِكَ لَا تَجِبُ فِي تَغْطِيَتِهِ بِكَفِّ غَيْرِهِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ، لِأَنَّ كَفَّهُ بَعْضٌ مِنْ أَبْعَاضِهِ، وَلَيْسَ كَفُّ غَيْرِهِ بَعْضًا مِنْ أَبْعَاضِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ سَجَدَ عَلَى كَفِّ نَفْسِهِ لَمْ يَجُزْ، وَلَوْ سَجَدَ عَلَى كَفِّ غَيْرِهِ جَازَ، فَافْتَرَقَ حكمهما.
الصفحة 101