كتاب الحاوي الكبير (اسم الجزء: 4)

مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ يَخْطُبُ قَبْلَ التَّرْوِيَةِ بِيَوْمٍ بَعْدَ الظُّهْرِ وَيُعَلِّمُ النَّاسَ الْمَنَاسِكَ فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا وَكَانَ يَوْمُ السَّابِعِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ خَطَبَ الْإِمَامُ النَّاسَ بَعْدَ صَلَاةِ الظُّهْرِ فَإِنْ كَانَ مُحْرِمًا افْتَتَحَ خُطْبَتَهُ بِالتَّلْبِيَةِ وَإِنْ كَانَ حَلَالًا افْتَتَحَهَا بِالتَّكْبِيرِ وَيُسْتَحَبُّ إِنْ كَانَ الْإِمَامُ مُقِيمًا بِمَكَّةَ أَوْ مِنْ أَهْلِهَا أَنْ يُحْرِمَ وَيَصْعَدَ الْمِنْبَرَ مُحْرِمًا، وَيُخْبِرَهُمْ أَنَّهُ يَخْرُجُ بِهِمْ مِنَ الْغَدِ إِلَى مِنًى لِيَتَأَهَّبُوا لِذَلِكَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَإِنْ كَانَ عَالِمًا فَقِيهًا أَحْبَبْتُ أَنْ يَقُولَ لَهُمْ: هَلْ مِنْ سَائِلٍ فَأُجِيبَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فقيهاً لم يتعرض لذلك لأن لا يُسْأَلَ عَنْ شَيْءٍ فَلَا يَكُونُ عِنْدَهُ مَعْرِفَتُهُ فَيَكُونُ فِيهِ شَيْنٌ وَقَبَاحَةٌ وَلَا يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَكُونَ إِلَّا بِمَنْزِلَةِ مَنْ إِذَا سُئِلَ أَجَابَ ثُمَّ يَكُونُ بِمَكَّةَ بَاقِي يَوْمِهِ وَلَيْلِهِ فَإِنْ وَافَقَ يَوْمُ السَّابِعِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بَدَأَ فَخَطَبَ لِلْجُمْعَةِ وَصَلَّاهَا ثُمَّ رَقِيَ الْمِنْبَرَ بَعْدَ الصَّلَاةِ فَخَطَبَ لِلْحَجِّ فَلَوْ تَرَكَهَا الْإِمَامُ كَانَ تَارِكًا لِلسُّنَّةِ وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ.

فَصْلٌ
: فَإِذَا كَانَ مِنَ الْغَدِ وَهُوَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ الثَّامِنُ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ أَحْرَمَ إِنْ لَمْ يَكُنْ أَحْرَمَ مِنْ قَبْلُ، وَأَحْرَمَ النَّاسُ مَعَهُ أَوْ مَنْ بَقِيَ مِنْهُمْ غَيْرَ مُحْرِمٍ وَيُخْتَارُ أَنْ يَكُونَ إِحْرَامُهُ بَعْدَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ سَبْعًا تَوْدِيعًا لَهُ وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ فَإِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ خَرَجَ إِلَى مِنًى وَلَمْ يُصَلِّ الظُّهْرَ بِمَكَّةَ وَإِنْ خَرَجَ قَبْلَ الزَّوَالِ جَازَ فَإِذَا حَصَلَ بِمِنًى صَلَّى بِهَا الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ، وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَالصُّبْحَ مِنَ الْغَدِ وَهُوَ يَوْمُ عَرَفَةَ لِرِوَايَةِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - صَلَّى يَوْمَ التَّرْوِيَةِ بِمِنًى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَالصُّبْحَ ثُمَّ مَكَثَ حَتَّى طَلَعَتِ الشَّمْسُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ تَكُونَ صَلَاتُهُ مِنْ مِنًى فِي مَسْجِدِ الْخَيْفِ عِنْدَ الْأَحْجَارِ الَّتِي بَيْنَ يَدَيِ الْمَنَارَةِ فَإِنَّهُ مُصَلَّى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَيُقَالُ لَهُ مَسْجِدُ " الْعَيْشُومَةِ " وَذَلِكَ أَنْ فِيهِ عيشومة خضراء في الجدب والخصب بَيْنَ حَجَرَيْنِ مِنَ الْقِبْلَةِ وَتِلْكَ الْعَيْشُومَةُ قَدِيمَةٌ لَمْ تَزَلْ هُنَاكَ وَإِنَّمَا اخْتَرْنَا ذَلِكَ اتِّبَاعًا لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَلِرِوَايَةِ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " قَدْ صَلَّى فِي مَسْجِدِ الْخَيْفِ سَبْعُونَ نَبِيًّا فِيهِمْ مُوسَى وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ عَلَيْهِ عَبَاءَتَانِ قِطْرِيَّتَانِ وَهُوَ مُحْرِمٌ عَلَى بَعِيرٍ مَخْطُومٍ بِخِطَامٍ من ليف، وله ضفيرتان " ويختار عليه أَنْ يَنْزِلَ الْخَيْفَ الْأَيْمَنَ مِنْ مِنًى بَيْنَ الْأَخْشَبَيْنِ فَقَدْ رَوَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إذا كنت بين الأخشبين من منى - ونفح بيد نحو الْمَشْرِقِ - فَإِنَّ هُنَاكَ وَادِيًا يُقَالُ لَهُ وَادِي السُّرَى بِهِ سَبْعُونَ نَبِيًّا " فَإِنْ تَرَكَ الْإِمَامُ الصَّلَاةَ بِمِنًى وَالْمَبِيتَ بِهَا فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِتَرْكِهِ جُبْرَانٌ مِنْ دَمٍ وَلَا غَيْرِهِ وَكَذَلِكَ لَوْ تَرَكَ وَدَاعَ الْبَيْتِ بِهَذَا الطَّوَافِ فَلَا دَمَ عَلَيْهِ وَلَا جُبْرَانَ لِأَنَّهُ بِخُرُوجِهِ غَيْرُ مُفَارِقٍ لِلْبَيْتِ وَإِنَّمَا خَرَجَ لِيَعُودَ إليه واختلف الناس لم يسمى الثَّامِنُ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ التَّرْوِيَةَ فَقَالَ قَوْمٌ: لِأَنَّ النَّاسَ يَرْتَوُونَ فِيهِ مِنَ الْمَاءِ مِنْ بِئْرِ زَمْزَمَ، لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِعَرَفَةَ وَلَا منى ماء. وقال آخرون لأنه الْيَوْمَ الَّذِي رَأَى فِيهِ آدَمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ حَوَّاءَ. وَقَالَ آخَرُونَ لِأَنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَرَى فِيهِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَوَّلَ الْمَنَاسِكِ والله بذلك أعلم.

الصفحة 167