كتاب الحاوي الكبير (اسم الجزء: 4)

قِيمَتَهُ لِصَاحِبِهِ، وَلَوْ كَانَ الصَّيْدُ لِغَيْرِ مَالِكٍ جَزَاهُ الْمُحْرِمُ بِمِثْلِهِ إِنْ شَاءَ مَكَانَهُ فِي الْحِلِّ كَانَ أَمْ فِي الْحَرَمِ، وَلَوْ أَرَادُوا الْإِحْلَالَ ثُمَّ الْقِتَالَ، لَمْ أَرَ بِذَلِكَ بَأْسًا.

مسألة: قال الشافعي رضي الله عنه: " وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ لَا حَصْرَ إِلَّا حَصْرُ الْعَدُوِّ وَذَهَبَ الْحَصْرُ الْآنَ وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ لَا يُحِلَّ محرمٌ حَبَسَهُ بلاءٌ حَتَى يَطُوفَ إِلَّا مَنْ حَبَسَهُ عدوٌ (قَالَ) فَيُقِيمُ عَلَى إِحْرَامِهِ قال فإن أدرك الحج وإلا طاف وسعى وعليه الحج من قابلٍ، وما استيسر من الهدي فإن كان معتمراً أجزأه ولا وقت للعمرة فتفوته والفرق بين المحصر بالعدو والمرض أن المحصر بالعدو خائفٌ القتل إن أقام وقد رخص لمن لقى المشركين أن يتحرف لقتالٍ أو يتحيز إلى فئةٍ فينتقل بالرجوع من خوف قتلٍ إلى أمنٍ والمريض حاله واحدةٌ في التقدم والرجوع والإحلال رخصةً فلا يعدى بها موضعها كما أن المسح على الخفين رخصةٌ فلم يقس عليه مسح عمامةٍ ولا قفازين ولو جاز أن يقاس حل المريض على حصر العدو جاز أن يقاس حل مخطئ الطريق ومخطئ العدد حتى يفوته الحج على حصر العدو. وبالله التوفيق ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ فِي الْإِحْصَارِ بِالْعَدُوِّ.
فَأَمَّا الْإِحْصَارُ بِالْمَرَضِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَحَلَّلَ بِهِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ، وَقَالَ أبو حنيفة: يَجُوزُ أَنْ يَتَحَلَّلَ بِالْمَرَضِ كَمَا يَتَحَلَّلَ بِالْعَدُوِّ، اسْتِدْلَالًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الهَدْيِ) {البقرة: 196) ، فَذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ اللُّغَةِ إِلَى أَنَّهُ يُقَالُ: أَحْصَرَهُ الْمَرَضُ وَحَصَرَهُ الْعَدُوُّ فَعَلَى هَذَا تَكُونُ الْآيَةُ وَارِدَةً فِي الْإِحْصَارِ بِالْمَرَضِ وَيَكُونُ الْإِحْصَارُ بِالْعَدُوِّ قِيَاسًا عَلَيْهِ، وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى أَنَّهُ يُقَالُ: أَحْصَرَهُ الْمَرَضُ وَأَحْصَرَهُ الْعَدُوُّ مَعًا، فَعَلَى هَذَا الْآيَةُ عَامَّةٌ فِيهِمَا جَمِيعًا، وَرَوَى عِكْرِمَةُ قَالَ: سَمِعْتُ الْحَجَّاجَ بْنَ عَمْرٍو الْأَنْصَارِيَّ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مَنْ كُسِرَ أَوْ عُرِجَ فَقَدْ حَلَّ وَعَلَيْهِ حَجَّةٌ، فَسَأَلْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ وَابْنَ عباسٍ، فَقَالَا: صَدَقَ، قَالَ: وَلِأَنَّهُ مَصْدُودٌ عَنِ الْبَيْتِ، فَجَازَ لَهُ التَّحَلُّلُ كَالْمُحْصَرِ بِالْعَدُوِّ، قَالَ: وَلِأَنَّهَا عِبَادَةٌ تَجِبُ بِوُجُودِ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ فَجَازَ لَهُ الْخُرُوجُ مِنْهَا بِالْمَرَضِ كَالْجِهَادِ؛ وَلِأَنَّ الْإِحْصَارَ بِالْمَرَضِ أَشَدُّ من الإحصار بالعدو؛ لأنه لَا يَقْدِرُ عَلَى دَفْعِ الْمَرَضِ عَنْ نَفْسِهِ، وَيَقْدِرُ عَلَى دَفْعِ الْعَدُوِّ عَنْ نَفْسِهِ، إِمَّا بِقِتَالٍ، أَوْ بِمَالٍ، فَلَمَّا جَازَ لَهُ التَّحَلُّلُ بِمَا قَدْ يُمْكِنُهُ أَنْ يَدْفَعَهُ عَنْ نَفْسِهِ، كَانَ تَحَلُّلُهُ فِيمَا لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَدْفَعَهُ عَنْ نَفْسِهِ أَوْلَى، وَدَلِيلُنَا مَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ سُفْيَانَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ

الصفحة 357