كتاب الحاوي الكبير (اسم الجزء: 4)
باب نذر الهدي
(قال الشافعي) رضي الله عنه: " وَالْهَدْيُ مِنَ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ فَمَنْ نَذَرَ لِلَّهِ هَدْيًا فَسَمَّى شَيْئًا فَهُوَ عَلَى مَا سَمَّى وَإِنْ لَمْ يُسَمِّهِ فَلَا يُجْزِئُهُ مِنَ الإبل والبقر والغنم الأنثى فَصَاعِدًا ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَجُمْلَةُ الْهَدْيِ ضَرْبَانِ وَاجِبٌ وَغَيْرُ وَاجِبٍ فَأَمَّا غَيْرُ الْوَاجِبِ فَهُوَ مَوْقُوفٌ عَلَى خِيَارِهِ، وَأَمَّا الْوَاجِبُ فَضَرْبَانِ: ضَرْبٌ وَجَبَ بِالشَّرْعِ، وَضَرْبٌ وَجَبَ بِالنَّذْرِ.
فَأَمَّا الْوَاجِبُ بِالشَّرْعِ فَهُوَ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنْ هَدْيِ الْإِحْصَارِ، وَالْمُتْعَةِ، وَالْقِرَانِ، وَسَائِرِ الدِّمَاءِ الْوَاجِبَةِ فِي الْحَجِّ إِمَّا لِتَرْكِ مَأْمُورٍ أَوْ لِارْتِكَابِ مَحْظُورٍ وَقَدْ فَصَّلْنَا جَمِيعَهَا وَذَكَرْنَا حُكْمَ كُلٍّ وَاحِدٍ مِنْهَا.
وَأَمَّا الْوَاجِبُ بِالنَّذْرِ فَضَرْبَانِ: مُعَيَّنٌ، وَغَيْرُ مُعَيَّنٍ.
فَأَمَّا الْمُعَيَّنُ فَهُوَ أَنْ يَقُولَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُهْدِيَ هَذِهِ الْبَدَنَةَ أَوْ هَذِهِ الْبَقَرَةَ، أَوْ هَذِهِ الشَّاةَ، أَوْ هَذَا الثَّوْبَ، أَوْ هَذَا الدِّينَارَ، أَوْ هَذَا الطَّعَامَ فَعَلَيْهِ أَنْ يُهْدِيَ مَا عَيَّنَهُ فِي نَذْرِهِ سَوَاءٌ أَكَانَ مِمَّا يَجُوزُ أُضْحِيَةً أَمْ لَا فَإِنْ أَرَادَ أن يبدله بغيره ولم يَجُزْ سَوَاءٌ أَبَدَّلَهُ بِمِثْلِهِ أَوْ فَوْقَهُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ بِبَيْعٍ وَلَا هِبَةٍ وَلَا غَيْرِهِ وَإِنْ مَاتَ لَمْ يُورَثْ عَنْهُ.
وَقَالَ أبو حنيفة: إِذَا عَيَّنَهُ بِنَذْرٍ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ مِلْكِهِ وَيَجُوزُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ بِأَنْ يَبِيعَهُ وَيَشْتَرِيَ بِثَمَنِهِ هَدْيًا غَيْرَهُ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ فِي جَوَازِ إِخْرَاجِ الْقِيمَةِ فِي الزَّكَاةِ.
وَالدَّلَالَةُ عَلَيْهِ مَعَ مَا تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي إِخْرَاجِ الْقِيمَةِ فِي الزَّكَوَاتِ مَا رَوَى سَالِمُ بْنِ عَبْدِ اللَهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أهدى بختياً له فَأُعْطِيَ بِهِ ثَلَاثَ مِائَةِ دينارٍ فَأَتَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ: أَهْدَيْتُ بُخْتِيًّا فَأُعْطِيتُ بِهِ ثَلَاثَ مِائَةِ دينارٍ فَأَبِيعُهُ وَأَشْتَرِي بِثَمَنِهِ بُدْنًا؟ قَالَ: لَا انْحَرْهُ " فَلَوْ جَازَ بَيْعُهُ بَعْدَ أَنْ تَعَيَّنَ فِي النَّذْرِ لَأَذِنَ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْبُدْنَ أَوْفَرُ عَلَى الْمَسَاكِينِ لَحْمًا مِنَ النَّجِيبِ الَّذِي لَا لحم فيه.
الصفحة 369
392