كتاب الحاوي الكبير (اسم الجزء: 4)

مسألة: قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: " فَإِنْ كَانَ مُعْتَمِرًا نَحَرَهُ بَعْدَ مَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ وَيَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ قَبْلَ أَنْ يَحْلِقَ عِنْدَ الْمَرْوَةِ وَحَيْثُ نَحَرَ مِنْ فِجَاجِ مَكَّةَ أَجْزَأَهُ وَإِنْ كَانَ حَاجًّا نَحَرَهُ بَعْدَ مَا يَرْمِي جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ قَبْلَ أَنْ يَحْلِقَ وَحَيْثُ نَحَرَ مِنْ شَاءٍ أَجْزَأَهُ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: السُّنَّةُ فِي نَحْرِ الْهَدْيِ أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ الْإِحْلَالِ فَإِنْ كَانَ مُعْتَمِرًا نَحَرَهُ عِنْدَ الْمَرْوَةِ بَعْدَ سَعْيِهِ وَقَبْلَ حِلَاقِهِ؛ لِأَنَّهُ يَتَحَلَّلُ مِنْ عُمْرَتِهِ عِنْدَ الْمَرْوَةِ وَإِنْ كَانَ حَاجًّا نَحَرَهُ بِمِنًى بَعْدَ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ وَقَبْلَ الْحَلْقِ؛ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ إِحْلَالِهِ الْأَوَّلِ مِنْ حَجِّهِ فَلَوْ نَحَرَ الْمُعْتَمِرُ بِمِنًى وَنَحَرَ الْحَاجُّ عِنْدَ الْمَرْوَةِ أَوْ نَحَرَا مَعًا فِي مَوْضِعٍ مِنْ فِجَاجِ مَكَّةَ أَوْ فِي سَائِرِ الْحَرَمِ أَجْزَأَهُمَا وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يُجْزِئُ الْمُعْتَمِرَ أَنْ يَنْحَرَ إِلَّا عِنْدَ الْمَرْوَةِ وَلَا الْحَاجَّ أَنْ يَنْحَرَ إِلَّا بِمِنًى.
وَالدَّلَالَةُ عَلَيْهِ مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " عَرَفَةُ كُلُّهَا موقفٌ وَمَزْدَلِفَةُ كُلُّهَا موقفٌ وَمِنًى كُلُّهَا مَنْحَرٌ وفجاجٌ مَكَّةَ كُلُّهَا مَنْحَرٌ "، وَلِأَنَّهُ مَوْضِعٌ مِنَ الْحَرَمِ فَجَازَ نَحْرُ الْهَدْيِ فِيهِ قِيَاسًا عَلَى مِنًى فِي الْحَجِّ والمروة في العمرة.

فَصْلٌ
: فَأَمَّا زَمَانُ النَّحْرِ فَالْهَدْيُ عَلَى ثَلَاثَةِ أقسام:
أحدها: أن يكون وَاجِبٍ فِي الذِّمَّةِ.
وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا عن نذر من غير تعلق بالذمة.
وَالثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ تَطَوُّعًا. فَإِنْ كَانَ عَنْ وَاجِبٍ فِي الذِّمَّةِ كَدَمِ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ وَسَائِرِ الْوَاجِبَاتِ جُبْرَانًا فِي الْحَجِّ فَالْمُخْتَارُ أَنْ يَنْحَرَهَا فِي يَوْمِ النَّحْرِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ الثَّلَاثَةِ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ آخِرِهَا فَإِنْ نَحَرَهَا قَبْلَ هَذَا الزَّمَانِ أَجْزَأَ وَكَانَتْ تَعْجِيلًا.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: مَنْ قَالَ إِنَّ عَلَى النَّاسِ فَرْضَيْنِ: أَحَدُهُمَا: عَلَى الْأَبْدَانِ فَلَا يَكُونُ إِلَّا بَعْدَ الْوَقْتِ وَفَرْضٌ مِنَ الْأَمْوَالِ فَيَكُونُ قَبْلَ الْوَقْتِ وَإِنْ كَانَ هَذَا الْهَدْيُ تَطَوُّعًا لَمْ يُجْزِهِ أَنْ يَنْحَرَهُ إِلَّا فِي يَوْمِ النَّحْرِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَإِنْ نَحَرَهُ قَبْلَ ذَلِكَ أَوْ بَعْدَهُ لَمْ يُجْزِهِ؛ لِأَنَّهُ كَالضَّحَايَا وَإِنْ كَانَ هَذَا الْهَدْيُ واجباً عن نذر تعين فِيهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِالذِّمَّةِ فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَنْحَرَهُ إِلَّا فِي أَيَّامِ النَّحْرِ وَقَدْ أَشَارَ الشَّافِعِيُّ فِي مَوْضِعٍ مِنَ الْمُخْتَصَرِ إِلَى أَنَّهُ إِنْ نَحَرَهُ قَبْلَ أَيَّامِ النَّحْرِ أَوْ بَعْدَهَا أَجْزَأَهُ.

مَسْأَلَةٌ: قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: " وَمَا كَانَ منها تطوعاً أكل منها لقول الله جل وعز {فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا} وأكل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مِنْ لَحْمِ هَدْيِهِ وَأَطْعَمَ وَكَانَ هَدْيُهُ تَطَوُّعًا ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَجُمْلَةُ الْهَدَايَا ثَلَاثَةُ أَضْرُبٍ: ضَرْبٌ وَجَبَ فِي الْحَجِّ جُبْرَانًا، وَضَرْبٌ وَجَبَ نَذْرًا، وَضَرْبٌ سَاقَهُ تَطَوُّعًا.

الصفحة 378