كتاب الحاوي الكبير (اسم الجزء: 4)

فَصْلٌ
: وَإِذَا تَقَرَّرَ تَوْجِيهُ الْقَوْلَيْنِ، فَإِذَا قُلْنَا بِجَوَازِ التَّحَرِّي، عَلَى قَوْلِهِ فِي الْقَدِيمِ يَتَحَرَّى فِي إِحْرَامِهِ، فَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ، أَنَّهَ كان يحج مضى فيه وأجزأه وإن غلب على ظنه إن كَانَ بِعُمْرَةٍ مَضَى فِيهَا وَأَجْزَأَتْهُ، وَإِنِ اسْتَوَى الْأَمْرَانِ عِنْدَهُ وَلَمْ يَغْلِبْ أَحَدُهُمَا، اعْتَقَدَ الْقِرَانَ حِينَئِذٍ.
وَإِذَا قُلْنَا: إِنَّ التَّحَرِّيَ لَا يَجُوزُ، عَلَى قَوْلِهِ فِي الْجَدِيدِ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَعْتَقِدَ الْقِرَانَ، وَيَنْوِيَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ؛ لِأَنَّ إِحْرَامَهُ قَدْ كَانَ بِأَحَدِهِمَا، فَلَا يَصِيرُ قَارِنًا إِلَّا أَنْ يَنْوِيَهُمَا، فَإِنْ نَوَى الْقِرَانَ، انْتَقَلَ الْكَلَامُ إِلَى الأجزاء، فَنَقُولُ: أَمَّا الْحَجُّ، فَإِنَّهُ يُجْزِئُهُ وَيَسْقُطُ عَنْهُ فَرْضُهُ، لِأَنَّهُ إِنْ كَانَ إِحْرَامُهُ بِحَجٍّ، فَقَدْ أَدَّاهُ، وَلَا يَضُرُّهُ إِدْخَالُ الْعُمْرَةِ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ بِعُمْرَةٍ فَقَدْ أَدْخَلَ عَلَيْهَا حَجًّا وَإِدْخَالُ الْحَجِّ عَلَى الْعُمْرَةِ جَائِزٌ، فَلِذَلِكَ أَجْزَأَهُ، وَإِنْ كان قارناً فهو أحد نسكيه، فأما العمرة فإجزائها يَتَرَتَّبُ، عَلَى اخْتِلَافِ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِي جَوَازِ إِدْخَالِ الْعُمْرَةِ عَلَى الْحَجِّ فَأَحَدُ قَوْلَيْهِ يَجُوزُ إدخالها عَلَى الْحَجِّ، فَعَلَى هَذَا تُجْزِئُهُ الْعُمْرَةُ وَالْقَوْلُ الثَّانِي لَا يَجُوزُ إِدْخَالُهَا عَلَى الْحَجِّ فَعَلَى هذا هل تجزئه الْعُمْرَةُ أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: لَا تُجْزِئُهُ، لِأَنَّهَا قَدْ تَتَرَدَّدُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ قَدْ أَدْخَلَ عَلَيْهَا حَجًّا فَيُجْزِئُ، أَوْ أَدْخَلَهَا على الحج فلا تجزئ.
والوجه الثاني: تجزئه، لِأَنَّ إِدْخَالَ الْعُمْرَةِ عَلَى الْحَجِّ، لَا يَجُوزُ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ لِزَوَالِ الْإِشْكَالِ وَارْتِفَاعِ الضَّرُورَةِ، فَأَمَّا مَعَ حُدُوثِ الْإِشْكَالِ وَحُصُولِ الضَّرُورَةِ فَجَائِزٌ.
فَصْلٌ
: فَأَمَّا وُجُوبُ الدَّمِ عَلَيْهِ، فَإِنْ قُلْنَا: إِنَّ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ مَعًا يُجْزِئَانِهِ عَنْ فَرْضِهِ، فَعَلَيْهِ دَمٌ لِقِرَانِهِ، وَإِنْ قُلْنَا: إِنَّ الْحَجَّ يُجْزِئُ وَإِنَّ الْعُمْرَةَ لَا تُجْزِئُ، فَفِي وُجُوبِ الدَّمِ عَلَيْهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: لَا دَمَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْعُمْرَةَ إِذَا لَمْ تُجْزِهِ فَالْقِرَانُ لَا يُحْكَمُ بِهِ، فَوَجَبَ أَنْ لَا يَلْزَمَهُ دَمٌ لِأَجْلِهِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ الصَّحِيحُ، عَلَيْهِ دَمٌ، لِأَنَّنَا لَمْ نُسْقِطْ فَرْضَ الْعُمْرَةِ عَنْ ذِمَّتِهِ احْتِيَاطًا لِلْفَرْضِ، وَإِنْ جَازَ أَنْ يَكُونَ فَرْضُهَا قد يسقط، فَكَذَا يَجِبُ أَنْ يَلْزَمَ الدَّمُ احْتِيَاطًا وَإِنْ جاز أن يكون لم يجب، فكذا حُكْمُ شَكِّهِ إِذَا كَانَ قَبْلَ إِحْرَامِهِ وَقَبْلَ الْأَخْذِ فِي نُسُكِهِ.
فَصْلٌ
: فَأَمَّا إِذَا طَرَأَ عَلَيْهِ الشَّكُّ بَعْدَ وُقُوفِهِ بِعَرَفَةَ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَمْضِيَ فِي أَفْعَالِ الْحَجِّ، فَيَطُوفَ وَيَسْعَى، وَيَحْلِقَ، ويرمي، وقد حل من إحرامه بيقين لا تبيانه بِأَفْعَالِ النُّسُكَيْنِ، كَمَالًا، وَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ فَرْضُ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ بِحَالٍ؛ لِأَنَّهُ إِنْ كَانَ حَاجًّا، فَقَدْ أَدْخَلَ الْعُمْرَةَ

الصفحة 86