كتاب الحاوي الكبير (اسم الجزء: 5)

وَهَذَا خَطَأٌ لِمُخَالَفَةِ النَّصِّ وَمُفَارَقَةِ الْقِيَاسِ.
رَوَى أَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - نَهَى عَنْ بَيْعِ الصُّبْرَةِ مِنَ الطَّعَامِ بِالصُّبْرَةِ مَا لَمْ يدْرِ كَيْلُ هَذِهِ وَكَيْلُ هَذِهِ. وَهَذَا نَصٌّ.
وَلِأَنَّ كُلَّ مَا حُرِّمَ فِيهِ التَّفَاضُلُ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَدْخُلَهُ التَّحَرِّي فِي التَّمَاثُلِ كَأَهْلِ الْحَضَرِ، وَلِأَنَّ كُلَّ تَحَرٍّ فِي تَمَاثُلِ جِنْسٍ يُمْنَعُ مِنْهُ أَهْلُ الْحَضَرِ، يُمْنَعُ مِنْهُ أَهْلُ الْبَادِيَةِ كَالْمَوْزُونِ. وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِهِمْ بِالضَّرُورَةِ عِنْدَ فَقْدِ الْمِكْيَالِ فَفَاسِدٌ بِفَقْدِ الْمِيزَانِ الَّذِي لَا يَسْتَبِيحُونَ مَعَهُ التَّحَرِّي فِي الْمَوْزُونِ وَخَالَفَ الْعَرَايَا لِأَنَّ كَيْلَ مَا عَلَى رؤوس النخل غير ممكن.

مسألة:
قال الشافعي رحمه الله تعالى: " وَلَا خَيْرَ فِي مُدِّ عَجْوَةٍ وَدِرْهَمٍ بِمُدِّ عَجْوَةٍ حَتَى يَكُونَ التَّمْرُ بِالتَّمْرِ مِثْلًا بِمِثْلٍ ".
قال الماوردي: وَجُمْلَتُهُ أَنَّ كُلَّ جِنْسٍ ثَبَتَ فِيهِ الرِّبَا فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُبَاعَ بِشَيْءٍ مِنْ جِنْسِهِ إِذَا ضُمَّ إِلَيْهِ عِوَضٌ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ. فَعَلَى هَذَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُبَاعَ مُدُّ تَمْرٍ وَدِرْهَمٌ بِمُدَّيْ تَمْرٍ وَلَا بِدِرْهَمَيْنِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُبَاعَ دِينَارٌ وَثَوْبٌ بِدِينَارَيْنِ وَلَا دِرْهَمٌ وَسَيْفٌ بِدِرْهَمَيْنِ.
وَقَالَ أبو حنيفة بِجَوَازِهِ فَأَبَاحَ بَيْعَ مُدِّ تَمْرٍ وَدِرْهَمٍ بِمُدَّيْنِ وَجَعَلَ مُدًّا بِمُدٍّ وَدِرْهَمًا بِمُدٍّ، وَأَجَازَ بَيْعَ سَيْفٍ مُحَلَّى بِذَهَبٍ بِالذَّهَبِ إِذَا كَانَ الثَّمَنُ أَكْثَرَ ذَهَبًا مِنَ الْحِلْيَةِ، لِيَكُونَ الْفَاضِلُ مِنْهُ ثَمَنًا للسيف ويجعل الذهب بالذهب مثلا بمثل.
فاستدل عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّ الْعَقْدَ إِذَا أَمْكَنَ حَمْلُهُ عَلَى الصِّحَّةِ كَانَ أَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ عَلَى الْفَسَادِ. وَقَدْ رَوَى عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: إِذَا وَجَدْتُمْ لِمُسْلِمٍ مَخْرَجًا فَأَخْرِجُوهُ. فَلَمَّا كَانَ مُتَبَايِعَا الْمُدِّ وَالدِّرْهَمِ بِالْمُدَّيْنِ لَوْ شَرَطَا فِي الْعَقْدِ أَنْ يَكُونَ مُدٌّ بِمُدٍّ، وَدِرْهَمٌ بِمُدٍّ صَحَّ الْعَقْدُ، وَجَبَ أَنْ يُحْمَلَ عَلَيْهِ أَيْضًا مَعَ عَدَمِ الشَّرْطِ لِيَكُونَ الْعَقْدُ مَحْمُولًا عَلَى وَجْهِ الصِّحَّةِ دُونَ الْفَسَادِ.
قَالَ: وَلِأَنَّ الْمُمَاثَلَةَ فِيمَا يَدْخُلُهُ الرِّبَا مُعْتَبَرَةٌ بِالْكَيْلِ إِنْ كَانَ مَكِيلًا أَوْ بِالْوَزْنِ إِنْ كَانَ مَوْزُونًا.
فَأَمَّا الْقِيمَةُ فَلَا اعْتِبَارَ بِهَا فِي الْمُمَاثَلَةِ لَا فِي الْمَكِيلِ وَلَا فِي الْمَوْزُونِ أَلَا تَرَاهُ لَوْ بَاعَ كَرًّا مِنْ حِنْطَةٍ يُسَاوِي عَشَرَةَ دَنَانِيرَ بِكَرٍّ مِنْ حِنْطَةٍ يُسَاوِي عِشْرِينَ دِينَارًا صَحَّ الْعَقْدُ لِوُجُودِ التَّمَاثُلِ فِي الْكَيْلِ وَإِنْ حَصَلَ التَّفَاضُلُ فِي الْقِيمَةِ وَإِذَا بَطَلَ اعْتِبَارُ الْقِيمَةِ فِي الْمُمَاثَلَةِ صَارَ الْعَقْدُ مُقْسَّطًا عَلَى الْأَجْزَاءِ دُونَ الْقِيَمِ فَيَصِيرُ مُدٌّ بِإِزَاءِ مُدٍّ وَدِرْهَمٌ بِإِزَاءِ مُدٍّ.

الصفحة 113