كتاب الحاوي الكبير (اسم الجزء: 6)

يَحْبِسُ الْمَبِيعَ فِي يَدِهِ، لِاسْتِيفَاءِ ثَمَنِهِ، وَإِنْ كَانَ مُسْتَدِيمَ الْيَدِ قَبْلَ حَقِّهِ. كَذَلِكَ يَجُوزُ أَنْ يَحْبِسَ الْبَائِعُ رَهْنًا فِي يَدِهِ قَبْلَ ثُبُوتِ الْحَقِّ.
قَالَ: وَلِأَنَّ حُكْمَ عَقْدِ الرَّهْنِ وَالضَّمَانِ سَوَاءٌ، عِنْدَنَا وَعِنْدَكُمْ بَعْدَ الْحَقِّ وَقَبْلَهُ ثُمَّ قَدْ أَجْمَعْنَا وَإِيَّاكُمْ عَلَى جَوَازِ الضَّمَانِ قَبْلَ ثُبُوتِ الْحَقِّ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ. فَكَذَلِكَ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ. فَإِذَا جَازَ الضَّمَانُ فِي مَوْضِعٍ، جَازَ الرَّهْنُ مَعَهُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ، لِأَنَّكُمْ قَدْ سَوَّيْتُمْ بَيْنَهُمَا بَعْدَ الْحَقِّ فِي الْجَوَازِ، وَقَبْلَ الْحَقِّ فِي الْمَنْعِ.
وَأَحَدُ الْمَوَاضِعِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي يَجُوزُ فِيهَا الضَّمَانُ قَبْلَ ثُبُوتِ الْحَقِّ أَنْ يَقُولَ: أَلْقِ مَتَاعَكَ فِي الْبَحْرِ وَعَلَيَّ ضَمَانُهُ. أَوْ أَعْتِقْ عَبْدَكَ عَنِّي وَعَلَيَّ قِيمَتُهُ. فَإِذَا أَلْقَى مَتَاعَهُ، أَوْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ، لَزِمَهُ ضَمَانُ قِيمَتِهِ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ ضَمَانِهِ.
وَالثَّانِي: ضَمَانُ الدَّرْكِ قَبْلَ اسْتِحْقَاقِ الْمَبِيعِ، فَإِذَا اسْتَحَقَّ لَزِمَ الضَّامِنَ غُرْمُ ثَمَنِهِ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ ضَمَانِهِ.
وَالثَّالِثُ: ضَمَانُ نَفَقَاتِ الزَّوْجَاتِ إِذَا ضَمِنَهَا عَنِ الزَّوْجِ أَجْنَبِيٌّ لَزِمَهُ ضَمَانُهَا وَإِنْ كَانَ ضَمَانُهُ قَبْلَ وُجُوبِهَا.
وَدَلِيلُنَا هُوَ أَنَّهَا وثيقة يُمْكِنُ أَنْ يُسْتَوْثَقَ بِهَا مَعَ الْحَقِّ، فَلَمْ تَصِحَّ قَبْلَ ثُبُوتِ الْحَقِّ كَالشَّهَادَةِ. وَلِأَنَّ كُلَّ حَالٍ لَا يَجُوزُ أَنْ يُسْتَوْثَقَ فِيهَا بِالشَّهَادَةِ، لَمْ يَجُزْ أَنْ يُسْتَوْثَقَ فِيهَا بِالرَّهْنِ وَالضَّمَانِ.
أَصْلُهُ: إِذَا قَالَ: قَدْ ضَمِنْتُ لَكَ مَا تُدَايِنُ بِهِ النَّاسَ كُلَّهُمْ. أَوْ قَدْ رَهَنْتُكَ هَذَا عَلَى مَا تُدَايِنُ بِهِ النَّاسَ كُلَّهُمْ؟
وَلِأَنَّ الِارْتِهَانَ هُوَ احْتِبَاسٌ بِالْحَقِّ وَوَثِيقَةٌ فِيهِ فَلَمْ يَجُزْ تَقَدُّمُ الِاحْتِبَاسِ عَلَى غَيْرِ حَقٍّ يَقَعُ بِهِ الِاحْتِبَاسُ.
وَلِأَنَّ هَذَا عَقْدُ رَهْنٍ بِصِفَةٍ، وَالْعُقُودِ لَا يَجُوزُ أَنْ تُعَلَّقَ بِالصِّفَاتِ. كَقَوْلِهِ: إِذَا قَدِمَ زَيْدٌ فَقَدْ رَهَنْتُكَ عَبْدِي. وَلِأَنَّ مَا يُدَايِنُهُ فِي ثَانِي حَالٍ مَجْهُولُ القدر، والرهن في المجهول لا يصح فأما الآية فحجة عليه لأنه تعالى قال: {إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} [البقرة: 283] ثم قال تَعَالَى {وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كاتبا فرهان مقبوضة} [البقرة: 283] فَكَانَ الدَّيْنُ الْمَذْكُورُ شَرْطًا فِي صِحَّةِ الرَّهْنِ، كَالْقَبْضِ الْمَذْكُورِ. وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ مِنْ حَبْسِ الْمَبِيعِ بِيَدٍ مُتَقَدِّمَةٍ فَغَلَطٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ يَحْبِسُ الْمَبِيعَ بِيَدِهِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَإِنَّمَا يَحْبِسُهُ بِعَقْدِ

الصفحة 21