كتاب الحاوي الكبير (اسم الجزء: 7)

وَالثَّانِي: أَنْ لَا يَتَقَدَّمَ مِنْهُ إِقْرَارٌ بِالْحُرِّيَّةِ، فَإِنْ كَانَ قَدْ أَقَرَّ بِهَا ثُمَّ أَقَرَّ بَعْدَهَا بِالرِّقِّ لَمْ يُقْبَلْ إِقْرَارُهُ.
فَإِذَا حُكِمَ بِرِقِّهِ مِنْ أَحَدِ هَذِهِ الْوُجُوهِ الثَّلَاثَةِ وَكَانَ فِي يَدَيْ سَيِّدِهِ فَأَقَرَّ بِهِ السَّيِّدُ لِزَيْدٍ وَأَقَرَّ الْعَبْدُ بِنَفْسِهِ لِعَمْرٍو فَالْقَوْلُ قَوْلُ السَّيِّدِ دُونَ الْعَبْدِ لِأَنَّ الْعَبْدَ مَمْلُوكٌ لِغَيْرِهِ فَصَارَ إِقْرَارُهُ إِقْرَارًا فِي مِلْكِ غَيْرِهِ وَنَفَذَ فِيهِ إِقْرَارُ السَّيِّدِ لِأَجْلِ يَدِهِ، وَإِذَا كَانَ الْقَوْلُ فِيهِ قَوْلَ السَّيِّدِ نُظِرَ فِيهِ فَإِنْ قَبِلَ زَيْدٌ إِقْرَارَ السَّيِّدِ حُكِمَ لَهُ بِرِقِّهِ وَكَانَ عَمْرٌو إِنِ ادَّعَى رِقَّهُ خَصْمًا لِزَيْدٍ فِيهِ، وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ زَيْدٌ إِقْرَارَ السَّيِّدِ فَفِيهِ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: يَصِيرُ حُرًّا يَرْتَفِعُ رِقُّهُ بِإِنْكَارِ مَنْ صَارَ مَحْكُومًا لَهُ بِمُلْكِهِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ يَكُونُ عَلَى رِقِّهِ وَلَا يَصِيرُ حُرًّا لِأَنَّ جَهَالَةَ الْمِلْكِ لَا تُزِيلُ عَنِ السَّبْيِ حُكْمَ الْمِلْكِ.
فَعَلَى هَذَا، هَلْ تَرْتَفِعُ عَنْهُ يَدُ السَّيِّدِ أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: يَرْتَفِعُ عَنْهُ لِزَوَالِ مِلْكِهِ بِالْإِقْرَارِ فَعَلَى هَذَا مَنْ سَبَقَ إِلَى ادِّعَائِهِ مِلْكًا لَمْ يُمْنَعْ مِنْهُ سَوَاءٌ سَبَقَ إِلَى الدَّعْوَى مَنِ اعْتَرَفَ لَهُ الْعَبْدُ بِالْمِلْكِ وَهُوَ عَمْرٌو أَوْ غَيْرُهُ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: تقر يَدُ السَّيِّدِ الْمُقَرِّ عَلَيْهِ لِعَدَمِ مَنْ هُوَ أَحَقُّ بِهِ، وَيَسْتَحِقُّ بِالْيَدِ دَفْعَ الْمُدَّعِي عَنْهُ إِلَّا أَنْ تَقُومَ لَهُ بَيِّنَةٌ بِمِلْكِهِ فَإِنْ صَدَّقَهُ ثَانِيًا عَلَى مَا مَلَكَهُ لَمْ يَصِرْ مَالِكًا لِلْعَبْدِ فِي إِقْرَارِهِ لِأَنَّهُ بِالْإِقْرَارِ الْأَوَّلِ زَالَ مِلْكُهُ فَلَمْ يَنْفُذْ إِقْرَارُهُ وَلَكِنْ يَلْزَمُهُ بِالْإِقْرَارِ الثَّانِي رَفْعُ يَدِهِ وَلَا يُمْنَعُ الثَّانِي مِنْهُ وَإِنْ لَمْ يُحْكَمْ لَهُ بِالْمِلْكِ لِعَدَمِ الْمُنَازِعِ لَهُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

مسألة
قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَوْ أَقَرَّ أَنَّ الْعَبْدَ الَّذِي تَرَكَهُ أَبُوهُ لفلانٍ ثُمَّ وَصَلَ أَوْ لَمْ يَصِلْ دَفَعَهُ أَوْ لَمْ يَدْفَعْهُ فَقَالَ بَلْ لفلانٍ آخَرَ فَهُوَ لِلْأَوَّلِ وَلَا غُرْمَ عَلَيْهِ لِلْآخَرِ وَلَا يُصَدِّقُ عَلَى إِبْطَالِ إِقْرَارِهِ فِي مالٍ قَدْ قَطَعَهُ لِلْأَوَّلِ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: قَدْ مَضَى نَظِيرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَصُورَتُهَا أَنْ يَقُولَ وَارِثُ مَيِّتٍ قَدْ تَرَكَ أَبُوهُ عَبْدًا: هَذَا الْعَبْدُ الَّذِي تَرَكَهُ أَبِي لِزَيْدٍ لَا بَلْ لِعَمْرٍو، فَهُوَ لِلْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي سَوَاءٌ قَالَ ذَلِكَ مُتَّصِلًا أَوْ مُنْفَصِلًا وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ الله وصل أو لم يصل هل يُلْزَمُ غُرْمَ قِيمَتِهِ لِلثَّانِي أَمْ لَا؟
عَلَى قَوْلَيْنِ ذَكَرْنَا وَجْهَهُمَا، وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي مَوْضُوعِهِمَا فَقَالَتْ طَائِفَةٌ الْقَوْلَانِ إِذَا سَلَّمَهُ الْحَاكِمُ فَإِنْ كَانَ هَذَا الدَّافِعَ، لَهُ غَرِمَ قَوْلًا وَاحِدًا، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: بَلِ الْقَوْلَانُ فِي

الصفحة 49