كتاب الحاوي الكبير (اسم الجزء: 7)

وَالثَّانِي: أَنَّهُ إِقْرَارٌ لَا يَتَكَرَّرُ عِنْدَ الشُّهُودِ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَتَكَرَّرَ عِنْدَ الْحَاكِمِ كَالْإِقْرَارِ بِالْمُجْمَلِ.
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِشْهَادِهِ بِالطَّلَاقِ فَهُوَ أَنَّ الطَّلَاقَ إِيقَاعٌ وَالْإِقْرَارٌ إِخْبَارٌ فَإِذَا أَعَادَ لَفْظَ طَلَاقِهِ وَقَعَ بِهِ طَلَاقٌ غَيْرُ الْأَوَّلِ، وَإِذَا أَعَادَ لَفْظَ إِقْرَارِهِ لَمْ يَكُنْ خَبَرًا غَيْرَ الْأَوَّلِ، وَلَوْ أَقَرَّ بِالطَّلَاقِ لَكَانَ إِقْرَارُهُ بِالْمَالِ لَا يَتَضَاعَفُ عَلَيْهِ حُكْمُهُ كَمَا لَا يَتَضَاعَفُ عَلَيْهِ الْمَالُ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: عَلَيَّ دِرْهَمٌ وَدِرْهَمٌ فَالْمَعْنَى فِي لُزُومِ الدِّرْهَمَيْنِ أَنَّهُ قَدْ عَطَفَ عَلَى الْأَوَّلِ مِثْلَهُ بِوَاوِ الْعَطْفِ وَالنَّسَقِ فَلَزِمَاهُ، وَلَوْ حَذَفَ الْوَاوَ لَمْ يَلْزَمَاهُ.

فَصْلٌ
: فَأَمَّا إِذَا خَالَفَ بَيْنَ الصِّفَتَيْنِ أَوْ بَيْنَ السَّبَبَيْنِ لَزِمَهُ الدِّرْهَمَانِ، وَمُخَالَفَتُهُ بَيْنَ الصِّفَتَيْنِ أَنْ يَقُولَ فِي أَحَدِ الْيَوْمَيْنِ: لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ بَصْرِيٌّ، وَفِي الْيَوْمِ الْآخَرِ: لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ بَغْدَادِيٌّ. وَمُخَالَفَتُهُ بَيْنَ السَّبَبَيْنِ أَنْ يَقُولَ فِي أَحَدِ الْيَوْمَيْنِ: لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ مِنْ ثَمَنِ ثَوْبٍ، وَفِي الْيَوْمِ الْآخَرِ: لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ مِنْ ثَمَنِ عَبْدٍ أَوْ مِنْ قَرْضٍ فَيَلْزَمُهُ الدِّرْهَمَانِ لِأَنَّهُمَا صَارَا مُخْتَلِفَيْنِ فَسَقَطَ احْتِمَالُ التَّكْرَارِ فيهما والله أعلم بالصواب.

مسألة
قال الشافعي رضي الله عنه: " وإذا قَالَ له عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَدِيعَةً فَكَمَا قَالَ لِأَنَّهُ وَصَلَ فَلَوْ سَكَتَ عَنْهُ ثُمَّ قَالَ مِنْ بَعْدِهِ هِيَ وديعةٌ وَقَدْ هَلَكَتْ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ لِأَنَّهُ حِينَ أَقَرَّ ضَمِنَ ثُمَّ ادَّعَى الْخُرُوجَ فَلَا يُصَدَّقُ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ، وَأَلْفَاظُ الْإِقْرَارِ خَمْسَةٌ:
أَحَدُهَا: أَنْ يَقُولَ: لَهُ عَلَيَّ.
وَالثَّانِي: أَنْ يَقُولَ: لَهُ عندي.
والثالث: أني يَقُولَ لَهُ بِيَدِي.
وَالرَّابِعُ: أَنْ يَقُولَ: لَهُ قِبَلِي.
وَالْخَامِسُ: أَنْ يَقُولَ: لَهُ فِي ذِمَّتِي.
فَأَمَّا قَوْلُهُ: فِي ذِمَّتِي، فَكَقَوْلِهِ: لَهُ فِي ذِمَّتِي أَلْفُ دِرْهَمٍ فَيَقْتَضِي الدُّيُونَ الثَّابِتَةَ فِي الذِّمَمِ فَإِنْ ذَكَرَ أَنَّهَا وَدِيعَةٌ فَإِنِ ادَّعَى هَلَاكَهَا لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ فِي سُقُوطِ الضَّمَانِ عَنْ ذِمَّتِهِ لِأَنَّ هَلَاكَ الْوَدِيعَةِ مِنْ غَيْرِ تَعَدٍّ لَا يُوجِبُ تَعَلُّقَهَا بِالذِّمَّةِ، وَإِنْ كَانَتْ بَاقِيَةً بِيَدِهِ فَهَلْ يُقْبَلُ مِنْهُ أَنَّهَا الَّتِي أَقَرَّ بِهَا فِي ذِمَّتِهِ أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:

الصفحة 60