كتاب الحاوي الكبير (اسم الجزء: 7)

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ، إِذَا قَالَ: هَذِهِ الدَّارُ لِزَيْدٍ هِبَةَ عَارِيَّةٍ أَوْ هِبَةَ سُكْنَى، قُبِلَ مِنْهُ وَكَانَ إِقْرَارًا بِإِعَارَتِهَا وَإِبَاحَةِ سُكْنَاهَا وَلَمْ يَكُنْ إِقْرَارًا بِمِلْكِ رَقَبَتِهَا لِأَنَّهُ وَصَلَ إِقْرَارَهُ بِمَا اقْتَضَاهُ فَصَارَ أَوَّلُ كَلَامِهِ مَحْمُولًا عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ: هَذِهِ الدَّارُ لَكَ لَكَانَ إِقْرَارًا بِمِلْكِهَا فَلَمَّا وَصَلَهُ بِقَوْلِهِ: عَارِيَّةَ أَوْ هِبَةَ سُكْنَى خَرَجَ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ لَكَ إِقْرَارًا بِمِلْكٍ.
فَإِنْ قِيلَ: فَهَذَا قَدْ رفع أول كلامه بآخر، فَهَلَّا كَانَ عَلَى قَوْلَيْنِ مِنْ قَوْلَيْهِ فِيمَنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ قَضَيْتُهَا. قِيلَ لَهُ: الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ فِي ادِّعَاءِ الْقَضَاءِ رَافِعٌ لِكُلِّ مَا تَقَدَّمَ فَلَمْ يُقْبَلْ، وَفِي وَصْلِهِ ذَلِكَ بِالْعَارِيَّةِ مُثْبِتٌ لِحُكْمِ مَا تَقَدَّمَ عَلَى صِفَةٍ مُحْتَمَلَةٍ فَيُقْبَلُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

فَصْلٌ
: وَلَوْ قَالَ: هَذِهِ الدَّارُ لَكَ هِبَةً، لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ إِقْرَارًا بِمِلْكٍ حَتَّى يَصِلَ ذَلِكَ بِالْقَبْضِ لِأَنَّ الْهِبَةَ لَا تَلْزَمُ إِلَّا بِهِ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ فِي يَدِ الْمُقِرِّ أَوِ الْمُقَرِّ لَهُ، وَلَوْ قَالَ لَكَ سُكْنَى هَذِهِ الدَّارِ فَهَذَا إِقْرَارٌ لَازِمٌ بِمِلْكِ السُّكْنَى عَنْ إِجَارَةٍ فِي الظَّاهِرِ فَإِنِ ادَّعَاهَا وَطَلَبَ الْأُجْرَةَ لَزِمَ الْمُقَرَّ لَهُ دَفْعُ الْأُجْرَةِ إِنْ قَبِلَ الْإِقْرَارَ لِأَنَّهُ إِذَا مَلَكَ السُّكْنَى مُلِكَتْ عَلَيْهِ الْأُجْرَةُ وَإِنْ رَدَّ الْإِقْرَارَ فَلَا أُجْرَةَ عَلَيْهِ كَمَا لَا سكنى له والله أعلم.

مسألة
قال الشافعي رضي الله عنه: " ولو أقر للميت بحق وَقَالَ هَذَا ابْنُهُ وَهَذِهِ امْرَأَتُهُ قُبِلَ مِنْهُ (قال المزني) هذا خلاف قوله فيما مضى من الْإِقْرَارِ بِالْوَكَالَةِ فِي الْمَالِ وَهَذَا عِنْدِي أَصَحُّ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَنْ أَقَرَّ لِمَيِّتٍ بَدَيْنٍ لَزِمَهُ دَفْعُ الدَّيْنِ إِلَى وَارِثِهِ وَلَوْ أَقَرَّ بِوَكَالَةٍ قُبِضَ مَا عَلَيْهِ مِنْ دَيْنٍ لَمْ يَلْزَمْهُ دَفْعُ الدَّيْنِ إِلَى وَكِيلِهِ وَسَوَّى الْمُزَنِيُّ بَيْنَهُمَا فَأَوْجَبَ عَلَيْهِ دَفْعَ الْمَالِ إِلَى الْوَكِيلِ كَمَا أَوْجَبَ الْمَالَ إِلَى الْوَرَثَةِ وَقَدْ ذَكَرْنَا مِنَ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا مَا يَمْنَعُ مِنْ تَسَاوِي حُكْمِهِمَا.
فَإِذَا صَحَّ مَا وَصَفْنَاهُ وَأَقَرَّ لِمَيِّتٍ بَدَيْنٍ وَقَالَ: هَذَا ابْنُهُ وَهَذِهِ امْرَأَتُهُ فَلَا يَخْلُو حَالُ الْمَيِّتِ مِنْ أَنْ يُعْرَفَ لَهُ وَارِثٌ غَيْرُهُمَا أَوْ لَا يُعْرَفُ.
فَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ لَهُ وَارِثٌ غَيْرُهُمَا لَزِمَهُ تَسْلِيمُ الْمَالِ إِلَيْهِمَا عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى الثُّمُنُ إِلَى الزَّوْجَةِ وَالْبَاقِي إِلَى الِابْنِ فَلَوْ عَادَ بَعْدَ إِقْرَارِهِ فَقَالَ: بَلِ ابْنُ الْمَيِّتِ وَزَوْجَتُهُ هَذَانِ الْأَخِيرَانِ، لَزِمَهُ تَسْلِيمُ ذَلِكَ إِلَى الْأَوَّلَيْنِ، وَهَلْ يَلْزَمُهُ غُرْمُ ذَلِكَ لِلْآخَرَيْنِ أَمْ لَا؟
يُنْظَرُ فَإِنْ كَانَ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ لَزِمَهُ غُرْمُهُ قَوْلًا وَاحِدًا، وَإِنْ كَانَ عَيْنًا فَعَلَى قَوْلَيْنِ مِمَّنْ قَالَ: غَصَبْتُ هَذِهِ الدَّارَ مِنْ زَيْدٍ لَا بَلْ مِنْ عَمْرٍو.

الصفحة 65