كتاب الحاوي الكبير (اسم الجزء: 8)

فَأُصِيبَ زَيْدٌ فَقَامَ بِهِمْ جَعْفَرٌ، ثُمَّ أُصِيبَ جَعْفَرٌ، فَقَامَ بِهِمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ، ثُمَّ أُصِيبَ عَبْدُ اللَّهِ فَارْتَضَى الْمُسْلِمُونَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ.
فَلَوْ قَالَ: قَدْ أَوْصَيْتُ إِلَى زَيْدٍ سَنَةً، ثُمَّ بَعْدَ السَّنَةِ إِلَى عَمْرٍو: كَانَ هَذَا جَائِزًا، وَقِيلَ: إِنَّ الشَّافِعِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هَكَذَا أَوْصَى.

فَصْلٌ:
فَأَمَّا إِذَا جَعَلَ إِلَى وَصِّيهِ أَنْ يُوصِيَ، وَلَمْ يُعَيِّنْ لَهُ مَنْ يُوصِي إِلَيْهِ، فَهُوَ أَنْ يَقُولَ: جَعَلْتُ إِلَيْكَ أَنْ تُوصِيَ، أَوْ يَقُولَ: مَنْ أَوْصَيْتَ إِلَيْهِ فَهُوَ وَصِيٌّ، فَالْحُكْمُ فِيهِ عَلَى سَوَاءٍ وَفِي جَوَازِهِ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ أبي حنيفة، وَمَالِكٍ، يَجُوزُ لِأَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ نَظَرَ الْوَصِيِّ، أَقْوَى مِنْ نَظَرِ الْوَكِيلِ، فَلَمَّا جَازَ لِلْوَكِيلِ إِذَا أَذِنَ لَهُ فِي التَّوْكِيلِ أَنْ يُوَكِّلَ عَنْهُ مُعَيَّنًا، وَغَيْرَ مُعَيَّنٍ، كَانَ أَوْلَى فِي الْوَصِيِّ إِذَا أَذِنَ لَهُ فِي الوصية أن يوصي عنه إلى معين، وغير مُعَيَّن.
وَالثَّانِي: أَنَّ الْوَصِيَّ بِالْإِذْنِ قَدْ صَارَ كالأب، فَلَمَّا جَازَ لِلْأَبِ أَنْ يُوصِيَ جَازَ لِلْوَصِيِّ مَعَ الْإِذْنِ أَنْ يُوصِيَ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: وَهُوَ اخْتِيَارُ الْمُزَنِيِّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْوَصِيِّ مَعَ عَدَمِ التَّعْيِينِ أَنْ يُوصِيَ وَإِنْ أُذِنَ لَهُ، لِأَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْوَصِيَّ لَا يَمْلِكُ الِاخْتِيَارَ بِالْوَصِيَّةِ الْمُطْلَقَةِ، فَكَذَلِكَ لَا يَمْلِكُ بِالْوَصِيَّةِ الْمُقَيَّدَةِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ اخْتِيَارَ الْحَاكِمِ، أَقْوَى مِنَ اخْتِيَارِ الموصي، لأن له الاختيار بإذن وغير إذن، فكذلك كَانَ اخْتِيَارُ الْحَاكِمِ أَوْلَى مِنَ اخْتِيَارِ الْوَصِيِّ، والله أعلم.

مسألة:
قال الشافعي رحمه الله تعالى: " وَلَا وِلَايَةَ لِلْوَصِيِّ فِي إِنْكَاحِ بَنَاتِ الْمَيِّتِ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: اعْلَمْ أَنَّ وِلَايَةَ الْوَصِيِّ عَلَى الْيَتِيمِ، كَوِلَايَةِ الْأَبِ عَلَيْهِ، إِلَّا فِي ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ:
أَحَدُهَا: أَنَّ لِلْأَبِ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ لِنَفْسِهِ، وَيَبِيعَ عَلَيْهِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ وَلَيْسَ ذَلِكَ لِلْوَصِيِّ.
وَالثَّانِي: أَنَّ لِلْأَبِ أَنْ يُوصِيَ بِالْوِلَايَةِ عَلَى وَلَدِهِ، وَلَيْسَ لِلْوَصِيِّ أن يوصي.
والثالث: أن للأب أن يزوجهم، وَلَيْسَ ذَلِكَ لِلْوَصِيِّ.
ثُمَّ الْوَصِيُّ فِيمَا سِوَى هَذِهِ الثَّلَاثَةِ، كَالْأَبِ سَوَاءً. فَلَوْ جَعَلَ الْأَبُ إِلَى الْوَصِيِّ مَا كَانَ

الصفحة 342