كتاب الحاوي الكبير (اسم الجزء: 8)

قَالَ: وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ عَلَيْكَ، وَهَذَا خَطَأٌ بَلِ الْخُمُسُ مُسْتَحَقٌّ لِأَهْلِ الصَّدَقَاتِ لَا يَجُوزُ تَرْكُهُ عليه لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " فِي الرَّكَائِزِ الْخُمُسُ " وَلِأَنَّهُ لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا فَلَا يَجُوزُ تَرْكُهُ أَوْ غَيْرَ وَاجِبٍ فَلَا يَجُوزُ أَخْذُهُ، وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ غَنِيًّا لَمْ يَكُنْ لَهُ حَبْسُ الْخُمُسِ عَلَى نَفْسِهِ بِوِفَاقِ أبي حنيفة فَكَذَلِكَ إِذَا كَانَ فَقِيرًا كَالْعُشْرِ.
فَأَمَّا حَدِيثُ الشَّعْبِيِّ فَقَدْ قَالَ الشافعي بعضه ينقض بعضا إذا زَعَمَ أَنَّ عَلِيًّا قَالَ: إِنَّ الْخُمُسَ لِلْمُسْلِمِينَ فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَرَى لِلْمُسْلِمِينَ فِي مَالِ رَجُلٍ شَيْئًا ثُمَّ يَرُدُّهُ عَلَيْهِ، وَهَذَا عَنْ عَلِيٍّ مُسْتَنْكَرٌ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِإِسْنَادٍ مَوْصُولٍ أَنَّهُ قَالَ: أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهِ لَكَ وَاقْسِمِ الْخُمُسَ فِي فُقَرَاءِ أَهْلِكَ وهل الحديث أشبه بعلي عَلَيْهِ السَّلَامُ مِمَّا رَوَاهُ الشَّعْبِيُّ، وَلِأَنَّ رَدَّ الصَّدَقَةِ عَلَى الْفَيْءِ لَا يَجُوزُ عِنْدَهُ وَمَنْ وَجَدَ أَرْبَعَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ كَانَ غَنِيًّا عِنْدَهُ بِبَعْضِهَا وَلَعَلَّهُ قَدْ كَانَ يَمْلِكُ غَيْرَهَا فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ صَدَقَةً هُوَ عِنْدَهُ غَيْرُ مُسْتَحِقٍّ لَهَا وَلَوْ جَازَ مِثْلُ هَذَا فِي الرِّكَازِ لَجَازَ فِي غَيْرِهِ مِنَ الصَّدَقَاتِ، فَدَلَّ عَلَى فَسَادِ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ وَتَنَاقُضِ مَا عَوَّلَ عَلَيْهِ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ وَهُوَ الْهَادِي إِلَى سَوَاءِ الطَّرِيقِ.
تَمَّ كِتَابُ الصَّدَقَاتِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا وَصَلَوَاتُهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، يَتْلُوهُ بِحَوْلِ اللَّهِ وَعَوْنِهِ كِتَابُ النِّكَاحِ وَحَسْبُنَا الله ونعم الوكيل.

الصفحة 554